لا خلاف بأن واقع المرأة اليمنية اليوم سواءً أكان اجتماعياً أم ثقافياً أو سياسياً قد تغير كلياً عما كان سائداً قبل تحقيق الوحدة المباركة أو في سني عمرها الأولى .. وهذا التغيير الملموس لم يكن نتيجة الوعي السياسي والديمقراطي المتقدم الذي أصبح يتمتع به الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وإنما أيضاً بفعل الدعم اللا محدود والحرص الكبير من القيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، الذي أولى المرأة الاهتمام الأكبر وهيأ لها الفرص تلو الأخرى لتعزيز شراكتها في الحياة تنموياً وسياسياً ومجتمعياً بجانب أخيها الرجل .. وهو ما كان له كبير الأثر في وصولها إلى المواقع القيادية العليا في الدولة وإشراكها في صنع واتخاذ القرار كشريك أساسي لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. وعلى الرغم من هذا النمو أو الرقي الذي حققته المرأة ووصلت إليه « اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً» وإلى حدٍ ما سياسياً إلا أن تعزيز شراكتها السياسية لا تزال محل نقاش وجدال بين الأحزاب والتنظيمات السياسية، لاسيما من قبل حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي التوجه المتشدد والأكثر ممانعة والأكثر ذهاباً إلى رفع حجة «التأصيل الشرعي» مع كل عنوان أو قضية تخص المرأة وحقوقها السياسية وتعزيز شراكتها في هذا الجانب. المرأة اليوم لم تعد ذلك المجهول إلا أنها لا تزال تتعرض إلى تسلط ووصاية الرجل عليها وحرمانها من المشاركة في العمل السياسي كمرشحة وتبوؤ مناصب قيادية ليس على مستوى الأطر الحزبية وحسب بل والوطنية أيضاً. تعزيز مشاركة المرأة سياسياً و«الكوتا» مثال .. هي قضية نقاشية أخذت ولا تزال النصيب الأكبر في العديد من الفعاليات السياسية الحزبية والوطنية .. التي يكون فيها الرجل حاضراً أكثر من المرأة نفسها .. وهو النقاش الذي ينتهي في مجمله بالخروج بصورة إجمالية لحقيقة ما عليها الأحزاب من متاجرة رخيصة بقضايا المرأة وحقوقها المدنية ومشاركتها السياسية. وأنا هنا ورغم تعاطفي الكبير مع المرأة الباحثة عن تعزيز شراكتها السياسية بما يؤدي إلى وصولها إلى البرلمان والمجالس المحلية إلا أنني أحملها مسئولية ما عليه الأحزاب من متاجرة في قضيتها لاسيما أحزاب اللقاء المشترك التي تتعمد دائماً التراجع عن وعودها وشعاراتها الدعائية وخذلان المرأة وحرمانها من حق الترشح والمنافسة .. وفي الانتخابات المحلية السابقة تبدو الصورة أكثر وضوحاً. باستطاعة المرأة إن أرادت تعزيز شراكتها السياسية شاءت الأحزاب أم رفضت، وذلك من خلال الدخول في شراكات مدنية تحالفية بعيداً عن الانتماءات الحزبية هدفها الأوحد الانتصار لحقوقها السياسية وفي مقدمتها جعل مبادرة رئيس الجمهورية الخاصة بمنح 51 % من مقاعد البرلمان والمجالس المحلية للمرأة واقعاً معيشاً .. مالم فإن حديث تعزيز مشاركتها سيظل ويبقى محفوفاً برقابة وتسلط ذكوري أشبه بالاستبداد والولاية المطلقة وسيبقى منحصراً في إطار المزايدات لا أكثر .. لاسيما من قبل حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أكد أنه العدو الأول للمرأة في هذا الجانب. الأربعاء والخميس الماضيان احتضنت مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز ندوة بعنوان « الأحزاب واستنهاض ثقافة المشاركة السياسية للمرأة» بحثت في نقاشاتها وأوراقها المقدمة تعزيز مشاركة المرأة سياسياً. الحديث في مجمله من النقاشات والتعقيبات أبرز المدى البعيد الذي وصلت إليه المرأة ووقف بجزئياته المتفرقة أمام ما ينبغي على الأحزاب عمله لزيادة حجم المشاركة النسوية في البرلمان والمجالس المحلية واعتماد «الكوتا» أي تخصيص نسبة محددة من مقاعد البرلمان والمحليات للمرأة وفقاً لمبادرة رئيس الجمهورية. الدكتور عبدالله الفقيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء المعروف بمعارضته وعدائه للسلطة والحزب الحاكم لم يكن محايداً في ورقته المقدمة للندوة بل ظهر كخصم لهما وبدلاً من أن يبعث الأمل في نفس المرأة ويكون نصيراً لها في الندوة التي خصصت للحديث حولها .. أكد استحالة تطبيق نظام «الكوتا» حتى بعد ألف سنة. الباحث والدكتور الفقيه لم يخرج عن إطار المزايدة والمتاجرة بقضية المرأة المعهودة منه وبدلاً من أن يظهر نفسه كباحث ظهر متبنياً لرأي سياسي معروف ومتداول في الشارع .. وهو هنا خان أمانته البحثية ولم يكن أميناً أيضاً على درجته المتبوعة بصفة «استاذ للعلوم السياسية». الدكتور الفقيه أكد في الوقت نفسه أن النظام الانتخابي القائم هو المعيق لتعزيز مشاركة المرأة و«الرجل» في آن معاً .. وهنا لا أدري ما سبب إقحام الرجل إلى جانب المرأة وهو المتهم بتسلطه وفرض وصياته على المرأة وإعاقتها من الوصول إلى البرلمان. المهم الدكتور لم يأت كباحث وأكاديمي وإنما جاء ليؤدي مهمة حزبية وليزيد من حجم الأسى في نفس المرأة وليقول لها «القائمة النسبية» كنظام انتخابي هو الكفيل بوصولك للبرلمان مالم فلن تصلي إليه حتى بعد ألف سنة..