هناك ظاهرة لم تعد خافية على أحد، أُبتليت بها مهنة الصحافة، وهي من أنبل المهن التي عرفتها البشرية في تطورها الحضاري والمعرفي، لتغدو جديرة بتسميتها (السلطة الرابعة) في المجتمع، بوصفها ملاذاً أخيراً لتصويب الأخطاء والاختلالات في أي مجتمع من المجتمعات بما في ذلك ما تقع فيه السلطات الرسمية الثلاث الأخرى «تشريعية، تنفيذية، قضائية» وهي السلطة التي تمارس دورها وعملها دون أن تركن إلى روافد مساعدة أخرى، وليس لديها في رحلتها إلى التصويب والتصحيح إلا - الكلمة، أو الصورة، أو الرسم الكاريكاتيري - كرسالة نبيلة لا تدنو من الممارسات التي هي أول من يحاربها وربما تكون ضحية من ضحاياها. من هنا كانت هذه المهنة قادرة على التأثير في المجتمع بقوة الأداة وضميرها، وسمو الغايات ونبلها، الأمر الذي أسكن الكثيرَ من الأسماء قلب المواطن البسيط في كسرٍ لحاجزِ الجغرافيا ومتاهات الزمن، وأسقط أخرى إلى قبو النسيان حتى وهي تحاول أن (تتشعبط) هنا وهناك، مستفيدة من (كم) الإصدارات الصحفية المنشورة، إلا أنها تدرك نهايتها التي ستؤول إليها في نهاية المطاف وختام رحلة المتاعب والشقاء. فمهنة الصحافة طاردةٌ لكل دخيلٍ أو دعّي يستغلُ فراغاً ويَشْغلُ هامشاً في لحظة خللٍ أو جلسةِ محاباةٍٍ وزللٍ. ومن هذه النماذج التي برزت، ظاهرة فاقعة الألوان لعددٍ ممن دخلوا عنوةً إلى عالم اللذة والتعب، المشاغبة، والألق، واستحدثوا وسائل وأساليب لا تمتُّ لرسالة المهنة وغاياتها بصلةٍ، وهم إلى قطّاعِ الطرقِ ألحقُ وأقربُ. فلم يعد مستغرباً أن تصلَ إلى مسامعك أو تقع بين يديك أو ترتهن إلى موقف يضعك الآخر في سلّة (القطّاع) عن سوء فهم وعدم إدراك منه، على اعتبار أن كل ما في السلّة بيض (فاسد) لتجربته إحداها. إذ يمارس البعض، من هؤلاء، وضع المسدّس الصحفي في خاصرة الضحية، وكثيراً ما تكون من الفاسدين في وزن الريشة، مهدداً إياهم بالدفع أو القضاء المبرم عليه بطمس ملامح وجهه بوابل من المداد الأسود الذي سينهمر مدراراً هنا وهناك في هذه الصحيفة أو تلك. وهو بهذا الفعل يكون ك(حرامي) يسطو على العجزة أو الأطفال في الشوارع الخلفية المظلمة ونهب ما بحوزتهم تحت تهديد السلاح. فالاثنان يمتحان من القاموس البلطجي عينه، وإن كان - الصحافي المتقطّع - أكثر ضرراً وتحايلاً من الآخر الذي إن وقع انهار وطلب العفو والغفران، بينما حامل (المداد القاتل) يزداد قسوة وجوراً، ويطيح في الكل، مطلقاً قذائفه السوداء في كل اتجاه، غافلاً عن أنها قد سوّدت وجهه وروحه، وعلم بها القاصي والداني إلا هو، وكفى!.