شتان بين النور والظلام وبين العدل والظلم وبين الحكمة والرعونة، ففي العصر الجاهلي، كانت أجهزة الإعلام المتمثلة بشاعر القبيلة أو شعرائها يزينون قبح الفعال، لكي تجد القبيلة نفسها منفوخة بالكبر والاستعلاء وقلة التدبر للعواقب يقول شاعرهم: ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا. فجاء الإسلام ليؤسس قيماً جديدة مبنية على العدل والمساواة قوامها الرحمة والإحسان والرفق بكل ذي كبدٍ رطب. يغفر الله تعالى لرجل ذنوبه لأنه سقى كلباً وجده يلهث من شدة العطش فملأ خفه بالماء ليروي الكلب فأدخله الله الجنة وتدخل امرأة النار بسبب قطة حبستها لاهي أطعمتها وسقتها ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض. جاء الإسلام ليعلمنا أن الناس شركاء في ثلاثة: الماء والنار والكلأ. فأين الذين يعيشون في بحبوحة من توفر الماء في دورهم ومزارعهم، لأنهم استغلوا وجاهتهم، بل لأنهم فرضوا وجاهتهم فرضاً واستغلوا سلطتهم ونفوذهم وقدرتهم على السطو والتهام حق الآخرين، وأعطوا لأنفسهم الحق في أن يكونوا هم دون غيرهم من يستحق أن تجري الأنهار والقنوات ومواسير المياه إلى دورهم، تحت سمع وبصر القائمين على شئون الماء في الأوقاف ومؤسسة المياه.. بينما نجد في الناحية الأخرى أن هذا الإسراف والبذخ في وفرة الماء عند البعض يقابله ندرة وشحة مياه في بيوت كثيرة، يعلم الله أنهم قد ظلموا وسلب حقهم لصالح القلة القليلة من الأقوياء.. فلا عجب أن تتصاعد الروائح الكريهة في البيوت والأجسام، لاعجب أن تلتصق ملابس الصغار والكبار في أبدانهم، ولم تعد بنا حاجة هنا أن نتحدث عن أهمية الماء للصحة البدنية والسكنية والنفسية، فقدغادرت تلك الدور المحرومة من الماء في كل المناطق التي لاتجود عليها مؤسسة المياه إلا وفاء الشهر وربما الشهر والنصف بينما هناك أحياء في المدينة تغدق عليهم المؤسسة الماء كل ثلاثة أيام وربما كل يوم كرماً منها وأريحية.. والسؤال هو: هل تملك مؤسسة المياه الحق في أن تغدق الماء على البعض وتحرم البعض الآخر؟ أليس في ذلك تفريط في الواجب وإمعان في الأذى للمحرومين من عطف المؤسسة وكرمها؟ نحن نعلم أن المؤسسة تواجه صعوبات كبيرة في توفير الكمية الكافية من الماء لكي تغطي حاجة جميع المواطنين، نحن نعلم ذلك.. ولكن نحن نتحدث هنا عن عدالة التوزيع وليس عن الكمية المتوفرة في الآبار، لماذا تنتظر بعض الأحياء في المدينة أكثر من شهر لكي يصلها الماء بينما هناك مناطق أخرى تحصل على الماء كل ثلاثة أيام وربما أقل من ذلك؟ أليس في ذلك ظلم وإجحاف؟ تعتمد مؤسسة المياه على بيانات خاطئة وتقارير غير أمينة، فيترتب على ذلك حرمان بعض المناطق من الماء لمدة تزيد على الشهر، كما هو الحال في شرق المجلية والسائلة الآهلة بالسكان بين الجحملية والمجلية بتعز، حيث بلغ تعداد السكان في هذه المنطقة أكثر من خمسة آلاف نسمة وحيث تجد الأطفال من الذكور والاناث يحملون «الدبب» البلاستيكية على مدى فترة النهار إلى مابعد صلاة العشاء حيث تحولت حقائب البعض منهم من حقائب للكتب والدفاتر إلى حقائب للقوارير البلاستيكية.. ألا يظن الإخوة في مؤسسة المياه وإدارة الأوقاف أن هذا وضع مشين يمس سمعة بلادنا ومستقبل أبنائنا ويعرّض الأطفال لمخاطر الأوبئة والإصابة بالأمراض المعدية ولولا سوء التدبير والمحابات والتواطؤ من إدارات الأوقاف المتعاقبة لما حدث هذا الخلل الكبير في سوء التوزيع بحيث نجد الماء الذي كان يستفيد منه سكان السائلة يسحب إلى صالة، هكذا عنوة بغير وجه حق ومن لم يعجبه الحال يضرب برأسه الجدار.. فهل هذا عدل ياأمة العدل؟ لقد تواطأت إدارة الأوقاف المتعاقبة مع بعض المسئولين الذين لايزيدون عن عشرة أشخاص لكي يستولوا على ثلاثة أرباع كمية الماء التي كانت تكفي لإنقاذ حياة آلاف البشر في السائلة وشرق المجلية. نعم لقد أدخلت إدارات الأوقاف المتعاقبة بواجباتها رعاية منها لإرضاء بضعة أشخاص لايملكون لها نفعاً ولاضراً إلا بشيء قد كتبه الله لهم أو عليهم.. تواطأت إدارات الأوقاف لتسمح للبعض أن يربطوا الماء من منابعه وعيونه مباشرة، بينما سمحت للآخرين أن يحصلوا على كمية شحيحة من المياه الملوثة بمجاري الصرف الصحي الهابطة من قرية ثعبات.. هكذا هي الأمور تسير على هذا النحو من التردي، ولم تكلف إدارة الأوقاف نفسها أن تبرئ ذمتها أمام الله فتعمل على تأمين سلامة المياه التي تحوم من حولها مياه المجاري، ولم تكلف إدارة الأوقاف نفسها في أن تجعل للمواطنين حصصاً متساوية من الماء وتمنع العبث في التوزيع حسب الوجاهات والمناصب والرتب والمقامات..ويالها من مفارقات عجيبة عندما نجد إدارة الأوقاف تحث خطباء المساجد والوعاظ أن يذكروا الناس بمبدأ العدل والمساواة، ثم هي تقبل من جهة أخرى أن تتعامل مع الواقع المعاش بموجب العرف الجاهلي: ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً بل إن الأمر أكثر فداحة من ذلك فهناك من المواطنين من لايجد الماء حتى إن كان كدراً وطيناً. ياأخي المحافظ: نحن نعلم أنكم تعملون ليل نهار دون كلل لمواجهة شتى المسائل السهلة منها والعويصة، وقد وعدتم أنكم ستعطون قضية الماء الأولوية في المعالجة، ونحن لانتوقع أن تضرب بعصاك الحجر فتنفجر منها اثنتا عشرة عيناً أو حتى عيناً واحداً لكننا نرجوك أن تخصص قدراً من وقتك الثمين لزيارة مواقع العيون النازلة من جبل صبر لتطلع بنفسك على العبث في التوزيع ومن ناحية أخرى أن تتلمس هموم وبؤس المواطن الذي لاتصله مياه المؤسسة إلا بعد شهر أو شهر ونصف، فهل يستطيع أي إنسان ياأخي المحافظ أن يحرم منزله من الماء طوال هذه المدة دون أن يصاب بالجنون ودون أن تتعرض أعصابه للتلف؟؟!!