خمسة ملايين ونصف المليون ريال» هو المبلغ أو الدية، التي حددها قاضي المحكمة الابتدائية في محافظة عمران ثمناً لحياة اليهودي «ماشا يعيش النهاري».. الذي قتل في شهر ديسمبر الماضي على يد رجل وصفه القاضي بأنه "مختل عقلياً" وأمر بإيداعه مصحّة عقلية ونفسية. والحكم على غرابته يفتح الباب لكثير من التأويل؛ ولكثير من عدم التصديق لليمنيين قبل الأجانب؛ فالقتيل هو أحد أبناء اليمن، وإن كان يهودياً، والدستور اليمني يحميه كما يحمي المواطن المسلم أيضاً. والحكم الذي أصدره القاضي جنح إلى التعامل مع حياة اليهودي، وإن كان يمنياً، وكأنها رخيصة لا قيمة لها، مع أن الدين الإسلامي يحفظ للمسلم - كما لليهودي - كرامته من خلال مساواته في الحقوق والواجبات، والأولى أن يساويه في الحياة أيضاً، وهي أهم مساواة يمكن أن يحصل عليها الإنسان. لا أريد أن يُفهم من كلامي أنه انتقاد موجّه إلى القضاء، الذي نحترمه ونحترم رجالاته، إلا أن الحكم الأخير صدم الكثيرين من الناس. وقدم اليمن على أنها دولة لا تضع قيمة لحياة مواطنيها، خاصة أن مسؤولي الدولة لا ينفكّون من الحديث عن اليهود باعتبارهم "مواطنين يمنيين بامتياز"!!. والمؤسف أننا عندما نريد أن نسوّق صورة ديمقراطيتنا إلى الخارج؛ نُخرج اليهود من منازلهم ونجعلهم يصطفّون في طوابير الانتخابات، ونتحدث عن "ديمقراطية كاملة" حتى نحصل من دوله على مساعدات وهبات مختلفة. في الحكم الصادر ضد قاتل اليهودي «ماشا يعيش النهاري» انتقاص للمواطنة اليمنية، والأولى أن نعالج الأسباب ونقضي عليها، لأن الحكم سيشجع الآخرين على استرخاص دماء اليهود اليمنيين، وأكرر "اليهود اليمنيين". وربما يدفع بالبعض إلى رصد مبالغ مالية معينة للتخلص من ما تبقى من اليهود في البلاد، وهو ما سيؤكد أن اليمن لا تقبل بتعايش الأديان أبداً!!. نحن بحاجة إلى أن نحفظ كرامة الجميع في هذا البلد، سواء كانوا مسلمين أم يهوداً أو غيرهم من معتنقي الديانات السماوية - هذا إن وجدوا فعلاً. ولنا في سلوك الحبيب المصطفى أسوة حسنة، فقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كريماً مع اليهود رغم أذيتهم له. واليهود في اليمن لم يرتكبوا ما يجعلنا نتعامل معهم على أنهم أقليّة منبوذة، بل أكدت لنا الأيام أنهم جزء من نسيج المجتمع اليمني الكبير، وأنهم أصحاب مبادرات سياسية لافتة. ولعلنا نتذكر جميعاً المواقف الكثيرة التي أعلنتها الطائفة اليهودية في اليمن ضد سياسات الدولة الصهيونية. للأسف نحن نوظف اليهود في قضايا سياسية فقط، أي أثناء الانتخابات، وأثناء الإدانات لمواقف اسرائيل ضد أهالينا في فلسطين، لكننا نهرب إلى الأمام؛ متعمدين عندما يتصل الأمر بحياتهم. وهذه سياسة قمة في التناقض.. فهل نتخلص منها إلى الأبد؟!.