كما كان متوقعاً أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وتعد المذكرة أول قرار يستهدف رئيساً مازال على قمة السلطة وأول قرار يطال زعيماً عربياً من هذه المحكمة. محكمة الجنايات الدولية جاء إنشاؤها في الأول من مايو2002م بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 ابريل من العام نفسه بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه ستين دولة ليصل عدد الدول التي صادقت على قانون المحكمة إلى 108دول منها ثلاث دول عربية هي الأردن وجيبوتي وجزر القمر. جاء قرار توقيف البشير ليؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها يستخدمون المنظمات الدولية سوطاً لجلد أي دولة تخالف وترفض السياسة الأمريكية ولا تنصاع للرغبات الأمريكية ولا تنفذ سياستها وخدمة مصالحها، مع الإشارة إلى أن بعض الأنظمة تمنح أمريكا الذرائع والمبررات أو تتماهى مع المخططات الاستخباراتية التي توصل هذه الأنظمة إلى ارتكاب الأخطاء في حق شعوبها. قرار توقيف البشير سياسي وليس جنائياً، لأن قرار إحالة هذه القضية إلى محكمة الجنايات الدولية جاء بقرار من مجلس الأمن ولم يأتِ بشكوى من أي دولة من الدول المصادقة على المحكمة أو جاء بمبادرة من المدعي العام للمحكمة عندما يرى أن هذه القضية تستحق أن يفتح لها ملف تحقيق. الدبلوماسية السودانية والعربية والأفريقية أخطأت التقديرات الناتجة عن إحالة الملف من مجلس الأمن إلى المحكمة وتحركها جاء في الوقت الضائع لأنه كان بالإمكان أن تستخدم روسيا أو الصين حق النقض «الفيتو» ضد قرار الإحالة من مجلس الأمن عند صدور القرار وهو ماكان سيعطل القرار ويكشف حقيقة النوايا الأمريكية، لأن ذلك سيدفعها لارتكاب حماقات أكبر لتنفيذ أجندتها في السودان.. عقب صدور القرار قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الأشخاص الذين يرتكبون البشاعات يجب أن يمثلوا أمام العدالة. هذه العدالة بالمفهوم الأمريكي أجازت لإسرائيل ارتكاب كل المحظورات المنصوص عليها باتفاقية روما فارتكبت جرائم ضد الانسانية بشكل منظم وممنهج فمارست القتل العمد والابادة الجماعية والإبعاد القسري والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين من 1948م حتى العدوان الأخير على غزة وخرقها لاتفاقية جنيف لسنة 1949م وقوانين الحرب في حال النزاع المسلح وعدم التزامها بمسئولياتها التي حددتها الاتفاقيات الدولية تجاه الشعوب الواقعة تحت الاحتلال. إذا ماتوافرت النوايا الجادة لترجمة قرارات القمة العربية الأخيرة فإن الجامعة العربية يمكنها أن تتقدم بشكوى عبر إحدى الدول العربية الموقعة على المحكمة أو شكوى جماعية من الثلاث الدول «الأردن جيبوتي جزر القمر» للمدعي العام في المحكمة للتحقيق في الجرائم الاسرائيلية حسب نظام المحكمة لتتضح للعالم حقيقة هذه المحكمة وكيف تستخدمه أمريكا وحلفاؤها في تركيع الشعوب الرافضة للهيمنة الأمريكية رغم أن أمريكا واسرائيل لم توقعان على ميثاق روما ولم تصادقان على قانون المحكمة الدولية وهو مايضع مزيداً من علامات الاستفهام حول حقيقة هذه المحكمة. لايمكن تجاهل الصراع الدولي على أفريقيا والسودان في مركز هذا الصراع، واتجاه السودان شرقاً كان تجاوزاً للخطوط الحمراء بالمفهوم الأمريكي وزاد من صعوبة التوصل إلى حلول مشكلة الجنوب السوداني التي توصل أطرافها إلى اتفاقيات مهمة في العام 2005م أفضت إلى تحقيق السلام فبدأت ملامح الخلاف بقوة مستغلة الضغوط الدولية الموجهة للحكومة السودانية وهو ماجعل السلام، والاستقرار في السودان مرهوناً بالضغوط الدولية ومدى تحقيق الأطراف الدولية لأهدافها في السودان. خطورة مثل هذه القرارات التي تمس رؤساء الدول أو رموزها السياسيين يتمثل بانتهاك سيادة هذه الدول واستقلالها وحرية الشعوب في اختيار رؤسائها، وبالتالي فإن إيجاد صيغة دولية يتفق عليها الجميع تجمع بين احترام سيادة واستقلال الدول وبين رفع الظلم عن الشعوب التي تمارس الأنظمة أو الأفراد جرائم جماعية ضدها أصبح أمراً مهماً ويمكن للدول اللاعبة والمؤثرة في السياسة الدولية أن تخلق هذا التوازن بمايجعله بعيداً عن استغلال القوى العظمى وإذلال الشعوب.