ناطق قوات الانتقالي يكشف حقيقة انسحاب قواته من حضرموت    مليشيا الحوثي تواصل حصار مصانع إخوان ثابت وتدفع عشرة آلاف عامل إلى البطالة    محمد الحوثي: نأخذ توجيهات قائد الثورة على محمل الجد .. لاسيما الجهوزية للحرب    تسونامي بشري يجتاح ساحات الجنوب دعماً لاستعادة الدولة    الدولار يتجه لتراجع سنوي وسط استقرار الين وانتعاش اليورو والاسترليني    محافظ العاصمة عدن يشدد على تكثيف الرقابة الميدانية وضبط الأسعار وتنظيم آليات توزيع الغاز    تسليم وحدات سكنية لأسر الشهداء في 3 مديريات بصنعاء    شعب حاضر.. وإرادة تمضي نحو الدولة    باكستان وألمانيا تجددان دعم وحدة اليمن وسيادته    "زندان والخميس" بأرحب تنظم وقفة مسلحة نصرة للقران وإعلان الجهوزية    نقاش عُماني سعودي حول تطورات الأوضاع في اليمن    لجنة تنظيم الواردات تتلقى قرابة 13 ألف طلب ب2.5 مليار دولار وتقر إجراءات بحق المخالفين    مهرجان للموروث الشعبي في ميناء بن عباس التاريخي بالحديدة    الخنبشي يكشف عن القوات التي تسعى السعودية لنشرها في حضرموت والمهرة    وزارة الشباب والرياضة تُحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية ثقافية    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي منذ نصف قرن    النفط يرتفع ويتجه لتسجيل تراجع بأكثر من 15 بالمائة في عام 2025    اجتماع أمني بمأرب يشدد على رفع مستوى الجاهزية وتعزيز اليقظة الأمنية    قراءة تحليلية لنص أحمد سيف حاشد "بوحٌ ثانٍ لهيفاء"    وزيرا الخارجية السعودي والعُماني يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة    تأييد واسع لمضامين بيان السيد القائد رداً على قرار الاعتراف الصهيوني بما يسمى صوماليلاند    اجتماع بصنعاء يناقش إدماج المعايير البيئية في قانون البترول    حضرموت.. مناورة عسكرية لقوات الانتقالي وطيران حربي يلقي قنابل تحذيرية    همم القارات و همم الحارات !    البنك المركزي بصنعاء يوجّه بإعادة التعامل مع شركتي صرافة    القوات الإماراتية تبدأ الانسحاب من مواقع في شبوة وحضرموت    أمن الصين الغذائي في 2025: إنتاج قياسي ومشتريات ب 415 مليون طن    الأرصاد: طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم المرتفعات    هيئة علماء اليمن تدعو للالتفاف حول الشرعية والوقوف إلى جانب الدولة وقيادتها السياسية    لامين جمال يتصدر أغلى لاعبي 2025 بقيمة سوقية 200 مليون يورو    كاتب عربي: سعي الإصلاح لإدامة الأزمة وتوريط السعودية واستنزافها ماليا وسياسيا    محافظ البيضاء يتفقد سير العمل بمشروع تركيب منظومة الطاقة الشمسية بمؤسسة المياه    مواجهة المنتخبات العربية في دور ال16 لكأس إفريقيا 2025    الترب:أحداث حضرموت كشفت زيف ما يسمى بالشرعية    مباريات ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية    اتحاد حضرموت يتأهل رسميًا إلى دوري الدرجة الأولى وفتح ذمار يخسر أمام خنفر أبين    الافراج عن دفعة ثانية من السجناء بالحديدة    وزارة الاقتصاد والصناعة تحيي ذكرى جمعة رجب بفعالية خطابية وثقافية    خلال 8 أشهر.. تسجيل أكثر من 7300 حالة إصابة بالكوليرا في القاعدة جنوب إب    نائب وزير الثقافة يزور الفنان محمد مقبل والمنشد محمد الحلبي    الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    الصحفي والأكاديمي القدير الدكتور عبد الملك الدناني    سفر الروح    بيان صادر عن الشبكة المدنية حول التقارير والادعاءات المتعلقة بالأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    فريق السد مأرب يفلت من شبح الهبوط وأهلي تعز يزاحم على صدارة تجمع أبين    النفط يرتفع في التعاملات المبكرة وبرنت يسجل 61.21 دولار للبرميل    لوحات طلابية تجسد فلسطين واليمن في المعرض التشكيلي الرابع    قراءة تحليلية لنص "من بوحي لهيفاء" ل"أحمد سيف حاشد"    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الجنائية الدولية..العدل على الطريقة الأمريكية
نشر في المؤتمر نت يوم 16 - 07 - 2008

دان العديد من الخبراء والقانونيين العرب اتهام ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية أمس الرئيس السوداني عمر البشير بتدبير حملة لارتكاب أعمال قتل جماعي في دارفور، واعتبروا هذا الاتهام الذي صدر عن لويس مورينو أوكامبو بأنه غير قانوني، وغير ملزم للسودان، وان دوافعه سياسية بهدف تفتيت السودان. وقال القانونيون العرب، إن السودان لم ينضم للمحكمة وبالتالي فهو غير ملزم بقراراتها وأشاروا إلى وجود أصابع امريكية وراء الاتهام، وان الرئيس السوداني يتمتع بحصانة باعتباره رئيس دولة، وقد ظهرت المحكمة الجنائية بالقرار الذي صدر عنها، بأنها تحولت إلى أداة امريكية تمارس الضغوط لإرهاب الدول.
الاتهامات ضد الرئيس السوداني تتنافى مع القانون الدولي
لبنان
بيروت “الخليج":
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الأمريكية الدكتور شفيق المصري قال: مسألة دارفور في الواقع مسألة متشعبة، وقد بدأت منذ فترة عندما أصدر مجلس الأمن قراراً تحت الفصل السابع يحيل فيه نيفاً وخمسين ألف ملف جنائي إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووفقاً لنظام هذه المحكمة يجوز للمجلس ان يحيل مثل هذه الملفات، حتى ولو لم تكن الدولة قد أبرمت اتفاقية روما القاضية بإنشاء المحكمة. والذي حصل أن الرئيس السوداني عمر البشير وفقاً لتقرير المدعي العام، رفض تسليم هؤلاء إلى المحكمة الجنائية الدولية، ثم رفض تكراراً الامتثال إلى قرارات الفصل السابع. بالإضافة إلى مسؤولية عدد من المسؤولين السودانيين بمن فيهم الرئيس السوداني، وفقاً لأقوال المدعي العام، عن هذه المخالفات في دارفور. من هنا قدم المدعي العام تقريراً بحق رئيس جمهورية السودان وبعض معاونيه ضمن الدعوى ذاتها، والواقع انه وفقاً لنظام المحكمة يحق للمدعي العام أن يفعل ذلك، لأن القرار ليس جديداً، إنما يأتي في سياق دعوة مقامة سابقاً على المحكمة الجنائية الدولية.
لا نستبعد الأهداف السياسية، ولكن المهم بالنسبة للمحكمة وللمدعي العام ان يستند أي تقرير إلى حيثيات قانونية كافية تجيز للمدعي العام الحديث عن رئيس دولة، وبالتالي بصرف النظر عن الأوضاع السياسية، هناك حالة في السودان لا تزال على مخالفاتها بالرغم من المساعي الإفريقية والدولية من أجل تسوية هذه المسألة. ولكن من ناحية ثانية، الدعاوى المقامة ضد رؤساء دول يمكن أن تستمر في وقائعها القضائية ولكنها تعلق بالنسبة لتنفيذ أحكامها، طالما ان الشخص يشغل وظيفة رئيس دولة. وحتى لو قوبل طلب المدعي العام باستجابة من المحكمة فإنها ستقتصر على المحاكمة فقط من دون تنفيذ العقوبة. ولكن هذه العقوبة قد تصبح قيد التنفيذ عندما تنتهي ولاية الرئيس السوداني ويصبح شخصاً عادياً.
والحصانة في هذا المجال حصانة وظيفية بمعنى أنها متوقفة على الوظيفة التي يشغلها الشخص المعني، وعند انتهاء هذه الوظيفة، يعاد إلى تنفيذ الحكم والعقوبة إذا كانت هناك عقوبة. وبمعنى آخر فإن الحصانة تتمثل في تعليق الأحكام وليس في إجراء المحاكمة.
الدكتور حسن الجوني قال: ان القرار الصادر عن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية خطير للغاية لأنه يطال رئيساً للجمهورية، ونحن لطالما حذرنا من استغلال القانون الجنائي الدولي واستخدامه لغير اهدافه في تحقيق العدالة الدولية.
وكان من المفترض بالمحكمة الجنائية الدولية نظام روما أن تأتي باطار قانوني تلغي ما يسمى “عدالة المنتصر"، أو “حكم المنتصر"، بوصفها محكمة مستقلة تختص بقضايا مجرمي الحرب والمجرمين ضد الانسانية.
الواقع ان الثغرة التي نفذ منها المدعي العام هي ان المادة الثالثة عشرة من نظام المحكمة سمحت لمجلس الأمن ان يحيل قضية امام المحكمة، وهذا موضوع جدال قانوني بين الخبراء. ومن المعروف انه إذا لم تكن الدولة المعنية طرفاً في المحكمة لا يمكن احالتها اليها، واذا كان في الامر نزاع بين دولتين فيجب ان تكون احداهما طرفاً في المحكمة. وبما ان السودان ليس طرفاً فيها لجأ مجلس الأمن إلى المادة 13 فاحال القضية من طرف واحد، وكنا قد حذرنا من هذا الأمر سابقاً، وشخصياً نصحت المسؤولين السودانيين قبل فترة بالانضمام إلى نظام المحكمة وكذلك الدول العربية الأخرى، فعلى الأقل يجنبنا ذلك احالة اية دولة من قبل مجلس الأمن.
المعروف أن مجلس الأمن يتحرك سياسياً وليس بهدف احقاق الحق ولتطبيق القانون الدولي والعدالة، وبالتالي فإن احالته لهذه القضية هي سياسية بامتياز، والسودان هي الدولة الأولى التي تحال إلى هذه المحكمة من قبل مجلس الأمن.
ثمة اشكالية أخرى، في قضية السودان، تعود بنا إلى الجدل حول أحقية احالة شخص إلى المحاكمة وهو في سدة رئاسة دولة، طبعاً جرت بالسابق محاكمة ميلوسفيتش ولكن بعد اسقاطه وبعد ان سلمته دولته إلى القضاء الدولي، وبالتالي لم يكن رئيساً.
وهذا ما يطرح موضوع حصانة الرؤساء، وانا كنت دائماً من المدافعين عنها، لأن هذه الحصانة تحمي رؤساء دول ضعيفة مثل دولنا وليست بطبيعة الحال موجودة لحماية بوش وبلير وغيرهما، إذا ارتكبوا جرائم حرب في العراق، أو تحمي اولمرت لارتكابه جرائم ضد الانسانية في فلسطين.
واليوم يستطيع العرب التصدي لهذا القرار بالالتفاف حول السودان وممارسة اقصى الضغوط على مجلس الأمن كي لا يمضي في تنفيذ قراره، تحت الفصل السابع فيبقى قراراً غير قابل للتنفيذ.
مصر
القاهرة “الخليج":
قال الدكتور عبدالله الأشعل أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصرية سابقا إنه من الواضح وجود تنسيق بين الولايات المتحدة والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، حيث أعلنت وزارة الخارجية عن قرار المحكمة بشأن إصدار أمر بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير قبل أن تعلنه، وقبل عرض القرار على قضاة المحكمة وإجازته، مع أنه مازال يعتبر أمرا داخليا، وقد قصدت واشنطن بهذا الإعلان ضرب السودان والمحكمة معا.
وأعرب الأشعل عن اعتقاده بأن قضاة المحكمة سيرفضون رأي أوكامبو، لأنه يتناقض مع مبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها مبدأ حصانة رئيس الدولة وكبار المسؤولين حصانة دولية مطلقة أكدتها محكمة العدل الدولية حينما طالبت بلجيكا بالقبض على وزير خارجية الكونجو بتهمة ارتكاب جرائم إبادة، ولما رفعت الكونجو الأمر للقضاء حكم بأنه لا يجوز المساس بالمسؤولين، واعتبر الأشعل ما صدر من المحكمة الجنائية تجرؤا على السودان.
وقال: إننا سنكون أمام موقفين، فإما أن يوافق القضاة على القرار ويحال إلى مجلس الأمن، ووقتها لن يصدر القرار إلا بموافقة روسيا والصين وهو أمر مستبعد، وإما أن يرفض القضاة طلب المدعي العام وتحول دون صدوره العديد من المشكلات القانونية.
وأضاف: أسوأ ما في القرار أنه يشكل إزعاجا للسودان، وأنه إشارة إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للتصعيد حتى مستوى رأس الدولة، وأن أخطر انعكاساته أن الدول العربية والإفريقية لن تنضم للمحكمة الجنائية حتى لا يتم ملاحقة رؤسائها.
ويرى الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري والدولي أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك حق إصدار مثل هذا القرار، وأن السودان لم ينضم للمحكمة فكيف يلزم بقراراتها؟ ويضيف: أنه لا قيمة لقرار المحكمة في حال صدوره، وأنها لا تملك أي سلطات إلا على الدول التي استكملت كل إجراءات الانضمام إليها وهي مراحل متعددة من بينها موافقة برلمان الدولة المعنية.
وقال للأسف أصبحت الولايات المتحدة تتحكم في كل المنظمات الدولية وتفرض على الدول والمنظمات كل ما تراه من إجراءات قمعية على كل من لا يسير في ركاب السياسة الأمريكية.
وأضاف أن القانون الدولي ليس قانونا بمعنى الكلمة بل هو مجرد ميثاق شرف، لأن القانون الدولي لا يكون قانونا إلا عندما تحميه سلطة قادرة على الأمر والنهي وتنفيذ ما تقرره المحاكم وهو غير متوافر. وقد حكمت محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار العازل ولم يحدث شيء، مع أن محكمة العدل الدولية من المنظمات الأساسية في منظمة الأمم المتحدة وليست جديدة، ورغم موافقة كل الدول.
ويرى الدكتور ثروت بدوي أن العدالة الدولية لا وجود لها وأن الأفضل للسودان عدم الاعتراف بأي قرار للمحكمة الجنائية الدولية، التي لا تملك مخاطبة أي دولة لم تنضم إليها، ولا تملك مخاطبة أي شخص في السودان، لا رئيس الدولة ولا حتى أي مواطن عادي في السودان. مشيرا إلى الدور السلبي التخريبي الذي قال إن واشنطن تمارسه في العالم، بعد أن خربت العراق وأفغانستان والصومال، وحملها مسؤولية ما يحدث في دارفور والجنوب، مؤكدا أن الغطرسة الأمريكية جعلت سياسات واشنطن بعيدة تماما عن كل قواعد المنطق والعدالة والحق.
ويؤكد الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدولي أن سياسات المحكمة الجنائية الدولية تجاه السودان تعكس ازدواجية المعايير، فالمحكمة ليست هي الموجهة للاتهام بل المدعي العام أوكامبو، والقانون يقول انه لمخاطبة أي دولة لابد من أن تكون عضوا بالمحكمة، ويضيف: على المحكمة إذا أرادت محاكمة مجرمي الحرب أن تحاكم أولا الرئيس الأمريكي جورج بوش وزعماء “إسرائيل" أولمرت وباراك، ويتساءل: لماذا دارفور فقط؟ إنهم يسعون لحياكة القوانين وفق أمزجتهم، إن ما يحدث الآن تجاه السودان لا يعدو أن يكون مؤامرات سياسية لتفتيت وحدة السودان.
وردا على سؤال حول النتائج التي يمكن أن تترتب على مثل هذا القرار في حال صدوره يقول الدكتور إبراهيم درويش: القرار قد يترتب عليه وقتها الحد من حركة الرئيس البشير، ويمكن أن تلاحقه المحكمة الجنائية في الدول الغربية أو الموقعة على الاتفاق، مؤكدا أن لرئيس الدولة حصانة كاملة لكن اتفاقية روما قالت إن من يرتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية لا حصانة له، وأكد أن السودان لم ينضم لهذه الاتفاقية، وأن القضية بالنسبة لها سياسية أكثر منها قانونية.
ومن جانبه يرى عطية عيسوي الخبير في الشؤون الإفريقية أن التصعيد الحالي ضد السودان يرجع إلى تجاهل الحكومة السودانية لمطالب المحكمة بتسليم المطلوبين السابقين أحمد هارون وعلي كوشيب، ويقول إنه ربما لو كانت الخرطوم قد حاكمتهما محاكمة عادلة وبحضور مراقبين دوليين لكانت قد قطعت الطريق على المحكمة الجنائية الدولية، ويقول: إن عدم إقدام الحكومة السودانية على التسليم أو المحاكمة أعطى انطباعا بأنها تتستر على مرتكبي الجرائم وتضرب بالقوانين الدولية وقرار مجلس الأمن عرض الحائط، ومن هنا جاء التطور الجديد ليحمل أحد احتمالين، فإما أن يكون الهدف منه الضغط على الحكومة لتنفيذ أمري التوقيف السابقين أو أن يكون قد استقر الأمر على الكشف عن متهمين جدد بالفعل بمن فيهم الرئيس البشير ليجعل القضية مثار اهتمام وحديث الرأي العام الدولي ودفع مجلس الأمن للإسراع بتنفيذ أوامر الاعتقال سواء من خلال فرض عقوبات أو بالضغط على الدول للمساعدة في ذلك.
ويلفت عيسوي إلى وجهتي نظر فيما يتعلق بشرعية هذه الخطوة من قبل المحكمة الجنائية، الأولى أن السودان ليس عضوا في الحكمة الجنائية ولم يوقع على ميثاق تأسيسها، وبالتالي يعد قرارها الأخير غير ملزم، ووجهة النظر الثانية أن السودان عضو في الأمم المتحدة وموقع على ميثاقها وبالتالي هو ملزم بأي قرار يصدره مجلس الأمن وملزم به بغض النظر عن تجاهل دول أخرى مثل “إسرائيل" للقرارات الدولية، ويقول: رؤساء الدول يتمتعون بحصانة تمنعهم من المثول أمام أي محاكمة دولية أو محلية طالما بقي في السلطة، والحالة الوحيدة التي يسمح فيها بمحاكمته هي بعد خروجه من السلطة، وبالتالي لا يحق للمحكمة توقيف البشير أو اعتقاله.
ويرى عيسوي أن هذا القرار في حال صدوره ربما يؤدي إلى توقف الحكومة عن التعاون مع الأمم المتحدة فيما يتعلق بنشر القوات الدولية في دارفور، وبالتالي إطالة أمد المشكلة، كما سيؤدي القرار كذلك إلى تشجيع قادة التمرد على التعنت في مواقفهم فيما يتعلق بعملية التسوية السلمية، وسيضعف كذلك من حركة منظمات الإغاثة العاملة في دارفور ويؤثر سلبا في مساعداتها لملايين المشردين، ومن المرجح أن يدفع القرار الميليشيات المسلحة الموالية للحكومة إلى شن هجمات انتقامية على قوات الأمم المتحدة مما يعيق عملها في حماية المدنيين، وسيؤثر كذلك في حركة المسؤولين السودانيين وقد يؤدي إلى شل عمل القيادة السياسية، ومن المحتمل كذلك إثارة المزيد من الانقسام على الساحة السياسية السودانية بين حزب المؤتمر الوطني من جهة وبين أحزاب أخرى ستحمل البشير المسؤولية عن وضع السودان في وضع حرج.
اليمن
صنعاء “الخليج":
اعتبر الدكتور مطهر عبدالعزيز احمد الكمالي الأكاديمي اليمني المتخصص في القانون الدولي أن “قرار محكمة الجنايات الدولية المتعلق بإيقاف الرئيس السوداني عمر البشير يتناقض بشكل صارخ مع أحد ابرز المبادئ الأساسية في القانون الدولي والذي يقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
ويقول الدكتور الكمالي “قضية دارفور وإن تم تدويلها إلا أنها تظل قضية وشأناً داخلياً سودانياً وبالتالي من حق السودان تحديد خيارات الحل للمشكلة في هذا الإقليم وأن تصدر محكمة الجنايات الدولية قراراً بإيقاف رئيس دولة مستندة إلى استنتاجات أو اتهامات غير مرتكزة على دليل إدانة واضح رغم أن الأخير حتى لو توافر لا يمثل عنصرا موضوعيا في انتهاك مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي ما يعني أن محكمة الجنايات الدولية ووفقا لتوصيف قانوني دقيق “غير ذات صفة" وقرارها غير ملزم ويعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لدولة عربية مستقلة".
ووصف الدكتور عبدالعزيز أحمد الجناحي أستاذ القانون الدولي بجامعة تعز قرار محكمة الجنايات بإيقاف الرئيس السوداني عمر حسن البشير بأنه يعد انتهاكا سافرا لسيادة السودان وسابقة قضائية خطيرة.
واضاف “بحسب ما هو معروف فالسودان احدى الدول التي لم توقع على اتفاقية روما التي أسست بموجبها المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي هي موضوعيا وقانونيا غير ملزمة بالتعاطي مع أي أحكام تصدر عن هذه المحكمة كما ان الرئيس السوداني يمتلك حصانة دستورية كونه لا يزال يحكم السودان وهو ما يجعل من القرار الصادر عن المحكمة موجها بصورة رئيسية لسيادة السودان كون رئيس الدولة رمزاً سيادياً للبلاد".
الدكتور عبدالرحمن احمد الخطيب (مستشار قانوني متخصص في مجال النزاعات الدولية وأستاذ سابق في القانون الدولي بجامعة صنعاء) اعتبر أن قرار محكمة الجنايات لا يمكن وصفه سوى أنه يندرج في إطار محاولات الضغط المتزايدة التي تتعرض لها القيادة والحكومة السودانية من مراكز صنع القرار الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية لإجبارها على الانصياع لخيارات حلول توافق المصالح والأهواء الأمريكية والغربية.
واشار الدكتور الخطيب إلى أن قرار المحكمة يمثل سابقة خطيرة في انتهاك القانون الدولي الذي يحظر بشدة التدخل في الشؤون المحلية أو الداخلية للدول الكاملة السيادة والاستقلال، منوها بأن قرار المحكمة في الغالب لا يمكن تنفيذه الا في حالة واحدة فقط وهي احتلال السودان قسريا على غرار ما حدث في العراق كون لا دولة مستقلة يمكن لها ان تسلم رئيسها الى المحكمة.
لذا فإن من وقفوا وراء صدور مثل هذا القرار هم أول من يعلم أن امكانية تنفيذه منعدمة ليس فقط لكونه مفتقدا لسند قانوني موضوعي وشرعي ولكن لكون التنفيذ مستحيلا من الناحية العملية، الأمر في نظري لا يتعدى محاولة للضغط السافر وهو ما سيؤثر مستقبلا في أية احكام مماثلة تصدرها مثل هذه المحكمة.
السودان
الخرطوم “الخليج":
قال احمد ابراهيم الطاهر رئيس البرلمان وأحد أبرز القانونيين السودانيين ان رفض السودان لمطالب المدعي العام يعود في الأصل لعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذا الملف موضحاً أن السودان ليس موقعا على ميثاق روما وليس مصادقا عليه. وأكد أنه ليس من حق مجلس الأمن الدولي احالة اتهام المحكمة ضد أي دولة ليست عضوا لأنه اذا ما كان مؤهلا لذلك فإن من الأولى تقديم “اسرائيل" للمحاكمة لارتكابها جرائم ضد الانسانية. وأشار الى أن المحكمة الجنائية فقدت احترامها بين نظيراتها لأنها ولدت في مهد السياسة وهو ضمان عدم حيادتها بالتالي فإنها ليست مؤهلة للنظر في أي موضوع يتعلق باتهام جنائي ضد السودان.
وقال نقيب المحامين السودانيين فتحي خليل ان الأهداف الرئيسية لقرار المحكمة وضع السودان في قفص الاتهام، وعندما استمعت لحديث المدعي العام وطلبه الذي قدمه للمحكمة الابتدائية اكتشفت ان هذا الشخص لا علاقة له بالقانون وغير مؤهل قانونيا وسهل على السودانيين المسألة بجهل فاضح، فقد عرض مصداقية المحكمة الجنائية للشبهات بينما يجب ان تكون آلية مستقلة تماما.
وأضاف خليل: الحقيقة من يجب وضعه في قفص الاتهام ليس السودان بل المحكمة الجنائية، التي اتخذ اوكامبو منها أداة سياسية لإدانة السودان، فتهم مثل التي وجهت للرئيس السوداني “الابادة الجماعية" وكأن المدعي العام اكتشف اليوم فقط أن البشير هو رئيس السودان، بالرغم من أن مجلس الأمن أرسل لجنة تقصي حقائق لا تصف ما حدث بأنه ابادة جماعية. وتساءل: هل ظهرت أدلة جديدة لقضية انتهى التحقيق فيها.. وقال خليل يجب التذكير بان اوكامبو عندما طلب تسليم احمد هارون وعلي كوشيب باعتبارهما ارتكبا أفظع الجرائم لم يجر تحقيقات معهما، ومثل هذه المسائل تكشف مدى ضعف هذا الشخص وعدم حيدته بتجاوزه لكل اللوائح في القانون الدولي، وأي شخص يعرف أن أي متهم بريء حتى تثبت ادانته وهو أطلق الحكم مسبقا.
وقال القاضي علي يحيى رئيس مجلس الولايات، أولا يجب التأكيد على ان الهدف الأساسي لهذا القرار لن يتحقق لأن السودان لن يكون ضحية لادعاءات سياسية ومحكمة جنائية لا تكيل بمكيال واحد، ونرفض هذا التقرير قانونيا لأنه دعوة سياسية يريد من ورائها الكثير، وفي رأيي ان الأمر لا يخرج عن كونه مغامرة استغل فيها القانون بطريقة خاطئة. وأشير هنا الى ان بعض القبائل التي استند القرار إلى “ابادتها جماعيا" أصدرت بيانات كثيرة تناهض المحكمة الجنائية نفسها. وأوضح يحيى ان هذه المحكمة لا تعرف طبيعة الشعب السوداني، ومع ذلك لا يكفي غضب الشعب كرد على هذا الاتهام، بل يجب ان تلاحق المحكمة الجنائية نفسها بشكل قانوني ينسجم مع القانون الدولي والقوانين السودانية التي لا تسمح بتسليم أي سوداني لجهة في الخارج الا في ظروف معينة لا تنطبق على هذا الأمر ويجب توضيح الجانب القانون بشتى السبل والرجوع الى المعاهدات الدولية والاستفادة من موادها، فحتى مجلس الأمن لا يستطيع وليس مختصا في احالة دولة ليست طرفا في المحكمة، ومجلس الأمن لا يختص بتناول الأزمات الداخلية فهو لم يتدخل في الشيشان أو كشمير، ودارفور نزاع داخلي فقط، وأرى أن تعاون الحكومة السودانية مع مجلس الأمن في نزاع دارفور كان هو الخطأ الأكبر حيث كان يمكن الطعن في اختصاصات مجلس الأمن من ناحية قانونية، وبالتالي قفل الباب أمام هذه الثغرات والتي دخلت منها المحكمة الدولية والسودان أصلا ليس عضوا فيها وبالتالي لا تنسحب عليه قرارتها.
وقال آدم الطاهر حمدون القيادي البارز بحزب المؤتمر الشعبي ان الأمر مؤسف بأن تصل المسألة الى هذه الدرجة. ودعا
الى عدم معالجة الاتهامات التي أعلنها أوكامبو بتشنج وانما بطريقة هادئة عن طريق ترتيب البيت السوداني من الداخل وخلق اجماع وطني، داعياً الحكومة في هذا الصدد الى التنازل عن العديد من القضايا الخلافية ويتفق فيها عناصر المجتمع السوداني ان كانوا في اطار الحكومة أو المعارضة في التوجه لحل القضية الأساسية التي أصبحت سببا في صدور مذكرة اوكامبو وقال ان ما يهم الشعب هو أن يتوجه الجميع في اتجاه حل أزمة دارفور بصورة جادة جداً من دون ذلك ستدخل البلاد في مشكلات نحن في غنى عنها._


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.