استمر آخر مترجمي رباعيات الخيام من العرب الأستاذ محمد صالح القرق في تردده حتى كدنا نيأس نحن - المقربين له والعارفين بمشروعه - فإذا بنا نفاجأ بقراره الذي لم نحتسب له، والمفاجأة الأكبر كانت في الثمرة الناضجة التي وصلت بعد زمن وتحضير وإمعان في المراجعة والتدقيق وحسن الاختيار . يمكنني الآن أن أسمي ترجمته للخيام مشروع عمره بحق . اليوم وبعد الثمرة الناجزة نستطيع استيعاب تقديمه للمنجز بنص لعماد الأصفهاني قال فيه : إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النُقص على جُملة البشر . لكن الترجمة الماثلة أمامنا تشي بما يليها، ففي الطريق استتباعات مؤكدة، فما نراه بين دفتي هذه الترجمة الضافية المُعمّدمة بأصول فارسية وإنجليزية وفرنسية ليس إلا رأس جبل الجيلد، ففي الطريق كتاب «المقارنات»، وهو ثمرة أخرى من ثمار اشتغال القرق المديد على الخيام، ففي كتاب المقارنات نصوص الترجمات العربية للخيام، وسيرى القارئ الفوارق بين الترجمات المختلفة، وله أن يُسافر بعيداً في استنطاق ذائقته الشعرية الأدبية، ومعرفته بالخيام حتى يلحظ الميزات النسبية لهذه الترجمة أو تلك. المقارنات اختبار للذات، وتطواف على دروب الانفساح على النقد بأنواعه الخلاقة وغير الخلاقة، وعلى القرق أن ينبري بدوره لما سيقوله النقاد، تماماً كحال مجايليه في ترجمات الرباعيات إلى العربية.