إذا أردتُ تحديد معالم العلاقة بين رباعيات الخيام وترجمة محمد صالح القرق فإنني سأوجزها في النقاط التالية : القراءة المتتالية المديدة للرباعيات باللغات العربية والفارسية والإنجليزية أفضت إلى تعايش الخوارزميات الذهنية التي تتصادم حينما تكون مُجيرة على لغات مختلفة .. تتباعد وتتقارب بهذا القدر أو ذاك. فإذا كانت الفارسية تلتبس خوارزمياً بالعربية وفي أُفق ما، فإن الإنجليزية مُغايرة تماماً في بنيتها النحوية والصرفية والصوتية، الأمر الذي يجعل التناغم بين اللغات الثلاثة «العربية - الفارسية - الإنجليزية» أمراً في غاية العسر، ولهذا كان على القرق أن يردم الهوة مرتين .. مرة للتقارب التناغمي بين العربية والفارسية مما يجعل مناطق التماس الصوتي والصرفي بين اللغتين دقيقة وحساسة، وأُخرى للتباعد التناغمي بين العربية والإنجليزية وهو ما يتطلب فصلاً إجرائياً بين بنيتي العربية والإنجليزية بالمعاني الصوتية والصرفية والنحوية . ما كان للمترجم أن يفعل ذلك دون أن يرتوي من الينابيع الثلاثة، ويتداعى مع مقتضياتها الفنية والدلالية، وصولاً إلى تليين العُسر وتحويله إلى يُسر والإبحار تالياً في الترجمة . السياق الزمني للترجمة كان مفتوحاً على تداعيات واستعادات وتمتين، وكانت المتوالية تجري على نحو لا يكتمل، وفي آن واحد توق للكمال، ولهذا السبب تأنّى القرق كثيراً في إطلاق ترجمته حتى إن أقرب المقربين له اعتقدوا بأنه يُلوّح بأمر ما غير قابل للتحقيق، لأنه يتردد دونما حد وحدود، وهذا ما كان، فقد ظل يراجع المخطوطات مرة تلو الأخرى، ويتابع تسطيرها بالخط العربي مراراً وتكراراً، ويتخلّى عن البروفات برغم الأكلاف والزمن الضائع، ويذهب بعيداً في التردد إزاء المعالجات الإخراجية المختلفة مُتجشماً عناء مدفوعات مجانية لم تأت بمردودها إلا بعد حين ، غير أن الحصاد كان مُجزياً والترجمة حصيفة.