لم يكن الشاعر الفيلسوف، وعالم الرياضيات والفلك عمرالخيّام بعيداً عن فلسفات الفراغ الفني، ومقتضياتها الإبداعية المجبولة على إدراك مستودع القيم الجمالية في أساس الغائب، فالصمت والغياب وغير المرئي والبعيد عن الإدراك كانت منظومته الفريدة التي سطر بها رباعياته الهائلة. ليس غريباً والأمر كذلك أن تستبطن رباعيات الخيّام موسيقى الوجود، ومعنى الصمت في أساس الإشارة، والتداعي الحر مع الأحوال «التي تُصرفنا ولا نُصرفها» كما يقول الرائي. ولهذه الأسباب مجتمعة نالت الرباعيات مكانة استثنائية في ذاكرة الشعر العالمي، وتسابق الناس في تتبع حيرة الخيّام وتنويعاته، وظل السؤال المتسائل مشرعاً في وجه الخيّام ومن جاور إبداعه، وكان للعربية حضورها في تضاعيف الأسئلة والبديع الخياميين. ما قام به الأستاذ محمد صالح القرق إضافة نوعية لسلسلة الترجمات العربية، وهي ثمرة ناجزة لجهد طويل تكامل مع احتياطات وافرة من التأمل والتدقيق والصبر والتمازج العرفاني مع الخيام. إنه عمل مشهود، وجهد محمود يمثل خلاصة لمعايشة وحيرة تصل السؤال بالسؤال، وتتقرّى ما وراء الآكام والجبال، وتقول بلغة البيان ما يتسع لفضاء الإشارة، ويتمسك بأهداب المعاني التي كالمعاني بهاءً وسطوعاً.