هو العلامة التركي الذي عاش ذروة الإمبراطورية العثمانية وتمرغ في تضاعيف الأسئلة القلقة التي ترافقت مع الصراع المرير بين الغرب السياسي الإستعماري الخارج من فتوة الثورة البرجوازية والمكتشفات الجغرافية والمركزية القومية الدينية الرائية لمجد القارة العجوز ، والعالم الإسلامي، وكانت تركيا العثمانية بمثابة الرمز الأكبر للصراع الإسلامي المسيحي، وكان النورسي قابعاً في قلب التأمل لهذه الحالة الوجودية، متجاوزاً إياها إلى فضاءات الوجود الكلي (بضم الكاف وتشديد اللام) الخارج من وجودنا العياني المقرون بالملموس والمرئي والمدرك، حتى أن متتبع ملاحمه الفكرية يستقي منها روحية الإحياء الديني الوسطي الحكيم للإمام محمد بن محمد حامد الغزالي، والنظرة الإشراقية الصوفية لشهاب الدين السهر وردي، بالإضافة إلى جواهر تأملات فلسفية مقرونة بجلال الدين الرومي وعمر الخيام . كان النورسي فريد زمانه، ولقد مثل (بتشديد الثاء) لحظة فارقة في الثقافة الإسلامية المتعالية على الصغائر .. المبحرة في شفافية المعاني وغيوبها النورانية الساطعة في القلوب ، وقد كان له إسهام نوعي في تجديد الوسطية السنية الأشعرية المقرونة بالتصوف العرفاني النابع من ثراء التصوف الأندلسي بقامته الأكبر وكبريته الأحمر وعقله الأبهر الشيخ محيي الدين ابن عربي . قدم لنا بديع الزمان النورسي وصفة صافية من رحيق إلهاماته الربانية التي أرى فيها اليوم مخرجاً من قلق الوجود وحيرة الأنا التائهة في دروب التفاصيل الصغيرة ، بل أجد فيها جواباً شافياً لما استغلق من سؤال الفلسفة والحياة، فالنورسي نموذج استثناء في الموسوعية المعرفية والنظرة الثاقبة لمداراة الوجود وتقلبات الأحوال، حتى أنني أرى عصره بعين الحاضر الشاخص بالبلايا والفتن وفقدان الحيلة والفضيلة. أتمنى على وزارة الشؤون الدينية نبش مكتبة العلامة الموسوعي بديع الزمان النورسي وإعادة نشرها وتعميمها حتى يتبين لنا الحق من الباطل ، والله ولي التوفيق. [email protected]