لانتحدث هنا عن مثلث برمودا ولامثلث الجهل والفقر والمرض، ولاعن مثلث البلادة التي استوفت شروطها من القبح فعُقد قرانها على «التسيّب» في مرافق الدولة فأنجبا«خدجاً» لا أقبح الله من صورته حين تعملق، فسمياه«الفساد» ليس هذا وقت الحديث عن هذه المثلثات الآن حتى وإن قال قائل متسائلاً: كيف يمكن «للخدج» أن يصبح عملاقاً كأن له أوتاد كأوتاد الجبال؟ نقول له: هذه معجزة من معجزات البلادة و«التسيّب».. إنما حديثنا اليوم هو عن مثلث آخر قاعدته القات، حيث يستقيم على هذه القاعدة الضلع قائم الزاوية ممثلاً للفضائيات الهابطة وكلها هابطة إلا القليل القليل منها.. أما الضلع الثالث فيمثل الضياع محتضناً مرض «الايدز». لن نقف طويلاً عن القات، فقد أصبح الحديث عنه يشبه الحديث في مصحة نفسية عن أهمية أن تكون الانتخابات حرة نزيهة فعليهم أن يدلوا بأصواتهم لمن يتوسمون فيه النزاهة والاخلاص ولن يتمكنوا من ذلك إلا إذا توقفوا عن ممارسة «الجنان» لمدة شهر على الأقل قبل بدء الانتخابات. فقد ينجح المسعى مع نزلاء المصحات النفسية في اقناعهم أن يتخلوا عن «الجنان» ولاينجح في اقناع «موالعة»القات، أن يتخلوا عن مضغ القات.. هذه في حد ذاتها معضلة كبيرة، وزنها من العيار الثقيل ولن يمكن حلها إلا إذا توفرت «الارادة»!! إرادة جميع الأطراف.. والارادة تحتاج عزيمة والعزيمة تحتاج ثقافة عالية والثقافة العالية تحتاج شعباً كثير القراءة والاطلاع. فإذا وجد الشعب المولع بالقراءة وكثرة الاطلاع شغل نفسه بالأمور التي تفيده فيعطيها جل وقته على حساب الأمور التي لاتفيده، حينذاك فقط سوف يكتشف أهل اليمن أنهم قد أضاعوا أنفسهم حين أضاعوا أوقاتهم هدراً، سوف يكتشفون أنهم لم يكونوا من جملة الأحياء في كل الأزمان والعصور التي أضاعوها في مضغ القات الذي كان تأثيره عليهم أمضى من كل سلاح فتاك نزل بساحتهم فأحال شعباً بأكمله أو قل أكثره إلى كائنات عشبية تعيش تحت عبودية «الكيف» من النوع الذي يلازم صاحبه حتى يوم وفاته، هذا عن القات وقد وقفت عنده أكثر مما أردت. أما الفضائيات فهي أيضاً «مولعة» من نوع آخر، ليست أقل خطراً في نظري من أخطبوط من تلك الأخطبوطات الشرسة التي إن أمسكت بضحيتها بين أذرعها لا تتركه إلا ميتاً فتفترسه أو تلقي به لغيرها، إلا إذا وجد الضحية من يخلصه من الأخطبوط أو من الفضائيات فالتسميات مختلفة والنتيجة واحدة. فماذا تقدم هذه الفضائيات غير الدعوة الصريحة لممارسة الرذيلة؟ وسيلتها في ذلك النساء العاريات أو نساء «كاسيات» «عاريات» يعرضن أنفسهن بأرخص ثمن وبأكبر قدر من الابتذال، فيتخيل الشاب من هؤلاء الذين يعانون من الكبت الجنسي ويعانون من عُقد التربية ومن الفقر والجهل والتخلف أنهم قريبون جداً من المرأة التي تعرض نفسها كلحم طازج خالٍ من العظم والأستار لايفصل بينهم وبينها سوى شاشة التلفاز، فيستغرقهم المنظر فيمدون أيديهم ليمسكوا بذلك الجسم المعروض أمامهم بطريقة لا تترك للعقل أي مجال أوفاعلية للتدبر أو للتفكر بعواقب الاستغراق في متابعة مشاهد كلها تدعوه للخروج عن عقله وتوازنه، مشاهد تجعله مجرد لعبة سخيفة، بل لعبة تافهة لاقيمة لها في ميزان الرجولة، تحركها فتيات قد تجردن عن أردية الحشمة وأردية الوقار وأردية التقوى، فلم يبق منهن سوى قوالب شهوانية رخيصة قد بعن للشيطان كل شيء.. وسيأتي يوم عليهن يشعرن بالندم ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن يجدن أنفسهن منبوذات خارج دائرة الاغراء وبعد أن يكن قد تسببن في ضياع أجيال ومستقبل أمة. أما ضلع المثلث المقابل للزاوية القائمة فيمثل المحصلة محصلة الضلعين الأولين يمثل سوء العاقبة أو سوء المصير أوالضياع.. وهل يرجى مستقبل مشرق أو مزدهر لأي من الشباب، الفتيان أوالفتيات بينما هم أو هن يحصرون مستقبلهم داخل مثلث الضياع؟؟ قات وتدخين وفضائيات تعرض كل أنواع السموم الأخلاقية التي تخاطب الغريزة وتحثها على الاستيقاظ وتخّدر العقل وتدوس على الفضيلة وتهزأ من القيم والأخلاق؟؟ فهل بعد هذا الدمار للنفس عافية؟ وهل تصلح الفتاة بعد أن تتعرض لمشاهدة هذه الأدناس والأرجاس أن تكون زوجة صالحة وفية؟ أو أماً رؤوماً أو حتى موظفة مستقيمة؟ هل يصلح الشاب الذي يقضي جل وقته في مضغ القات والتدخين ومتابعة البرامج السفيهة في الفضائيات أن يكون زوجاً محترماً ودوداً ومحباً لزوجته وعطوفاً على أبنائه.. بل هل يستطيع أن يكون موظفاً أميناً ونزيهاً ومخلصاً لعمله ووفياً لالتزاماته؟؟ هذا مستحيل!! ألا يوجد اليوم من أهل الحل والعقد من يستشعر الخطر على مستقبل الأسرة وعلى مستقبل الوظيفة؟ هل يمكن لبلادنا أن تنجو بجلدها من خطر السموم التي تبثها الفضائيات اللعينة؟ هل يمكن لعالمنا العربي والاسلامي أن يستيقظ أو يخطو خطوة واحدة في طريق الابداع والتفوق في ظل هذا التكريس لعوامل الإلهاء والافساد؟؟