التنوع الطبيعي في اليمن الموصول بعبقرية المكان ونوع العمارة كان لا بد له أن ينعكس على ألوان الموسيقى والغناء، وأن تتبارى المدارس الفنية وأشكال التماهي مع موسيقى الوجود، فالغناء «الصنعاني» لون جبلي ينتمي إلى أعماق التاريخ، فيما يعيد توليف اللحن مستأنساً بالشعر «الحُميني» الذي لعب دوراً كبيراً في نشر الحكمة الممزوجة بالعاطفة والتلقائية السلوكية. وسار هذا النمط من الغناء بعيداً مع هجرات اليمانيين حتى وصل إلى الأندلس، فإذا برقصة «الفلامنكو» الإسبانية الشهيرة تستعيد المقدمة اللحنية الصنعانية كأنما قدّت من صخور العاصمة التاريخية لليمن . واللون «اليافعي» يعانق السحاب ، ويتراقص مع الألوان مجدداً عهد الزمن الفني الموصول بالمروج ومدهشاتها. وفي «تعز» وما يحيط بها من مدرجات زراعية تتناغم الموسيقى مع تنويعات الألوان وأنساق البناء، فيما تمتد بمفرداتها صوب اللون «اللحجي» السهل الممتنع، والممتد مع السهول المنبسطة وتراتب عوامل المكان ، ضمن موتيفات هندسية تستجلي الفراغ وتغيب في تضاعيفه ، فيما تتقدم لحج الغناء والفن على درب الإيقاعات المتراقصة في المقامات المختلفة حدّ التماهي !. وفي «حضرموت» نقف على اللون الساحلي الموشّى بأصول الأصوات الخليجية والمفعم ببحار الزرقة وأقواس قزح ، والحاضر في أساس فلسفة التثاقف الحميم مع روافد البحار والمحيطات والخلجان، وفي الداخل الحضرمي تنضح الحكمة من كلمات «حداد بن حسن الكاف» فيما تتوارى الكلمات الغنائية وراء ثقافة عميقة، ضاربة جذورها في أغوار البيان والبديع ، في الرؤى والتصوف ، وفي الفكر ومتاهاته العذبة.