جاء خطاب الرئيس أوباما إلى العالم الإسلامي ليدغدغ عواطف المسلمين الذين يغلب عليهم الاتجاه العاطفي، ولهذا فقد تم إعداد الخطاب إعداداً جيداً، فالاقتباس من القرآن ربما حرّك مشاعر المسلمين إيجابياً تجاه الخطاب . كما أن العموميات التي اتسم بها الخطاب لا تلزم أوباما ولا الولاياتالمتحدة بشيء، وإذا صح أن نطلق عليه خطاب التحذير المطلوب لهذه المرحلة التي تحكم إسرائيل فيها الجماعات المتطرفة الممثلة في حزب «الليكود» وتحالفاته كحزب «اسرائيل بيتنا» «وشاس» وغيره. لم يقدم أوباما في خطابه أي التزام محدد بشأن حق العودة، أو الاستيطان أو حدود الدولة الفلسطينية أو القدس التي هي مربط الفرس، وكل ماقدمه الخطاب هو محاولة للتصالح مع المسلمين لتحسين صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط. نحن لا ننكرر وجود بعض الايجابيات في الخطاب ومنها أنه لم يذكرنا ولم يذكّر العالم بأننا إرهابيون ولم يستخدم هذا المصطلح الذي وصمنا به الغرب عموماً والولاياتالمتحدة واسرائيل خصوصاً بعد أحداث (11)سبتمبر. يمكن القول إن الخطاب يصلح أن يكون مقدمة للتعايش مع الغرب ولا أقول التصالح معه، إذ إن ثوابت السياسة الأمريكية لم يغفل عنها الخطاب، من ذلك دعم إسرائيل والحفاظ على أمنها، فقد ذكر أوباما بما لايدع مجالاًَ للشك أن أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل تحت أي ظرف سواء كانت إسرائيل معتدية أو معتدى عليها. وهذا أمر يعرفه كل من له أدنى اطلاع على السياسة الأمريكية وثوابتها، فمن قبل ذكَّر «نكسون» في كتابه (الفرصة السانحة) بهذا المبدأ. وإذا كانت أمريكا دولة مؤسسات فإنه سيكون من السذاجة بمكان الاعتقاد أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تجبر إسرائيل على ما لا ترغب فيه، ثم إن الخطاب جاء ليطالب الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود مقابل الاعتراف بدولة للفلسطينيين. وشتان بين الدولتين، فالأولى ستكون عنصرية دينية خاصة باليهود بينما الأخرى قومية علمانية.. والسؤال: هل يقبل اليهود بدولة إسلامية على حدودهم مقابل الدولة اليهودية وأقصد بذلك دولة إسلامية دينية تقوم على تعاليم القرآن كدولتهم التي تقوم على تعاليم التوراة؟؟ إن تاريخ إسرائيل في تزوير التاريخ وجرأة اليهود عبر تاريخهم الطويل على قلب الحقائق - حتى لم تسلم من تزويرهم كتب الله التي أنزلت عليهم ولم يسلم الأنبياء عليهم السلام من أذاهم الذي وصل إلى القتل فكيف بعد ذلك كله يمكن الوثوق اليوم بأنهم سيحترموا الاتفاقات والعهود والمواثيق.؟ إن التفاؤل المفرط بخطاب أوباما وأنه العصا السحرية التي ستحل مشاكلنا هو نوع من السخافة، فنحن حتى اليوم لم نتفق فيما بيننا، فالصراع محتدم بين فتح وحماس والحصار مستمر ضد الفلسطينيين في غزة حتى اليوم وبأيدٍ عربية وفلسطينية، فكيف يمكن أن نواجه العدو في حرب أو مفاوضات ونحن على هذه الحال؟! هناك مثل يقول: «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر» وهو ينطبق على خطاب أوباما الأخير، ومثل آخر يقول: «ذيل الكلب لا يستقيم» وهو ماينطبق على إسرائيل التي تستمر في خططها وتفاوض عبثاً وضحكاً على العرب، فالاستيطان في عهد أولمرت في الضفة الغربية وصل إلى «3800» وحدة سكنية وبلغ عدد المستوطنين من «250» ألفاً إلى «300» ألف مستوطن، وبنفس الوتيرة تسير عملية الاستيطان في عهد «نتن ياهو» ولم يؤثر خطاب أوباما في الاستيطان ولا في المستوطنين. ونحن مطالبون بوقف العنف ضد إسرائيل مع أن إسرائيل هي التي تستخدم العنف ضدنا، ويعني هذا أن نتخلى عن المقاومة المشروعة. خطاب أوباما أغضب بعض الإسرائيليين والسبب هو أن أوباما خاطب المسلمين من زاوية المصالح الامريكية أكثر من مصالح إسرائيل هذه المرة وقد تعودت إسرائيل على أن تكون مصلحتها هي الأولى بالرعاية حتى من مصالح أمريكا ذاتها. عموماً الخطاب جيد كبداية للتفاهم ولكنه لا يصلح أن يكون وحده أساساً للحل، فالحل يجب أن ينبع من أصحاب الحق لا أن يفرض من الخارج «وما حكّ جلدك مثل ظفرك» فالخطاب ليس إلا شكلاً جديداً لموقف قديم.