تقف كثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية في طريق الاستقلال الفكري والديني..والأمر ذاته يحدث عندما يقف الخطاب الإسلامي موقف القرار الأخير من متغيرات هائلة تقف في وجه الاستقلال الاستراتيجي إذا اعتبرنا أن الأيديولوجيا قابلة للمغنطة على رقعة شطرنج حديدية على أساس نظرة مستقبلية موحدة، هدفها الوحيد إيجاد التوازن بين فرضيات الدين ومعطيات السياسة ومخرجات الواقع. ولا شك أن موجة التقدم الحضاري وتعدد نظريات المواطنة والخيط الرفيع الذي يفصل بين الثبوتية والتعددية تجعل من مجتمعات اليوم خاصة مجتمعات متشعبة الميول والانتماء، وإذا تأملنا الخطاب الإسلامي المعاصر نجد أنه لا يعبر عن مفردات الدين فقط بل يتشعب بقوة ويصل بصدق إلى أركان الحياة الاجتماعية حاملاً في طياته الكثير من الإمكانات الفكرية والروحية التي يجب أن يكون لها مكان على طاولة الحضور السياسي والاجتماعي، باعتبار الوجود الديني ركيزة أساسية لقيام مجتمعات صالحة للتعايش بعضها مع بعض. ومن الجيد أن يكون الخطاب الإسلامي شاملاً يحمل الكثير من الدلائل الرامية إلى التعايش السلمي بين الأديان المختلفة، ناهيك عن قدرته على ايجاد مساحة تفاهم مفتوحة بين عقائد الشعوب في معترك حضاري كبير وفي ساعات حرجة من عمر الالفية الثالثة التي يتوقع الخبراء أن يكون هناك انقلابات وتغيرات جذرية في بنية المجتمع السياسي والسياسة الاجتماعية على حدٍ سواء وعلينا تصديق المقولة التي مفادها «ليس كل ما يلمع ذهباً»، إذ قد تفشل الكثير من الخطابات النظرية البعيدة عن الواقع السياسي والاجتماعي في حين يراها أصحابها متوهجة بما يكفي لأجل الالتفات حولها..لكن الحقيقة أن الدعوة إلى إيجاد التوازن ونبذ الطائفية وجعل الدين والسياسة كفتي ميزان هو ما يخدم تقدم المجتمع ورفع مستوى الفكر لدى أفراده، إذ إنه من غير المعقول أن تكون إحدى كفتي الميزان أرجح من الأخرى على حساب البشر.. وفي سيرة النبي الأمين «صلى الله عليه وسلم» من الأدلة ما يثبت التوازن الموجود والضروري بين الدين والسياسة، وأكاد أجزم أن المجتمعات الناجحة هي تلك التي تمنح الأفراد حرية التعبير الديمقراطي والديني لأنه بتوحدهما تتوحد الفكرة العامة عن الغاية من وجود الإنسان، وفي القرآن الكريم أدلة كثيرة على المجتمعات الشوروية الناجحة كماً وكيفاً..اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وعلى أساس ايديولوجي متين.. علينا أن نفرق دائماً بين النظريات التي تدعو لقولبة الفكر وتلك التي تدعو عقل الإنسان للامتزاج الكامل مع كل ما حوله من مخرجات . أفتخر كثيراً بالعناية الخاصة التي يوليها فخامة الرئيس بالعلماء ويكفينا فخراً أن تُنسب جامعة الصالح ومسجدها لهذا الوطن الذي يبذل كباره وصغاره إيجاد بقعة الالتقاء العريضة على أرض الأوضاع العالمية المتغيرة إلى الغموض، غير أني أثق دائماً بقيادة صوتها شعب بأكمله تسعى جاهدة إلى توحيد الصف والمعتقد وكذلك الهدف الذي من أجله نقف به على رأس طموحاتنا وانجازاتنا ألا وهو وحدة الوطن..وهذا ما سعى إلى ايجاده الخطاب الإسلامي المعاصر وكذلك التوجه السياسي الراهن في ظُل التشعب العالمي الذي جاء نتيجة العجز عن صياغة قرارات تحفظ حقوق الشعوب ذات النفوذ المادي الأقل والسياسة الداخلية الفاشلة لحكوماتها كما هو الحال في فلسطين والصومال والعراق مثلاً، غير أن الميزة التي وإن كانت يوماً عبئاً على بنيتنا الداخلية إلا أنها اليوم صفة جيدة لجمع الكلمة ولم الشمل واتحاد الصف في وجه التحديات الداخلية ألا وهي النزعة القبلية... فمن المفيد أن تعلن القبائل مجتمعة عن موقف موحد تجاه سياسة النزعات الشيطانية الهادفة إلى المساس بالوحدة الوطنية ..والسؤال الذي يجب أن يبحث له هؤلاء عن إجابة.. هو ماذا بعد دعوات الانفصال والتمزق..؟! فليقدموا مشروعاً استراتيجياً واحداً يدفعهم ليكونوا رقعة نائية عن أرض اليمن الأم ليخبرونا عن إنجازاتهم في الماضي والحاضر..فماذا أنجزوا؟لم ينجزوا إلا الخراب والدمار وإثارة الفتن بين ابناء الشعب...نحن نحفظ درس الماضي جيداً فإذا كانت صوامعك الدخان وصلواتك السراب ومحرابك الوهم فهل تبحث عن قبلةٍ لك وأنت من العدم وإليه..؟!