بعد سنوات قليلة من إعلان الجمهورية اليمنية تصاعد الجدل في الأروقة التنظيمية السياسية حول العقائد الأيديولوجية للأحزاب، وهل يمكن عدها ضمن المفاضلات التنافسية بين حزب يتبنى أيديولوجية فكرية معينة كالاشتراكي والإصلاح والناصري، وبين آخر قائم على برامج مرحلية كالمؤتمر الشعبي العام، وكان الرأي دائماً يرجح قوة الفريق الأول في حساباته النظرية، لكنه عملياً وجد الثاني هو الفائز بالأغلبية. مؤخراً أفرزت الساحة الشعبية اليمنية وعياً تفوق على الأطروحات الحزبية، ويكاد يضع حداً للجدل القائم من خلال حالة الرفض التلقائي التي ترجمتها القواعد الحزبية لكل الممارسات الخاطئة أو تلك التي تمس المصالح العليا لليمن ضاربة الانتماءات الحزبية عرض الحائط. ربما يقرأ البعض منا التفاعلات السياسية من وحي البيانات والتصريحات الرسمية التي تصدرها مختلف القوى السياسية الفاعلة في اليمن، لكن بحكم احتكاكنا - كصحافيين - بالساحة الشعبية، نجد أن قواعد بعض الأحزاب نأت بنفسها إلى موقف منفصل تماماً عن موقف قياداتها الحزبية.. ورغم أنها حافظت على انتمائها الحزبي لكنها مارست الموقف الذي تراه سليماً، وتترجم من خلالها تراثها الثقافي وعاداتها وأعرافها الاجتماعية، مؤكدة هويتها الوطنية، ومؤمنة في الوقت نفسه أن الموقف المنحرف لحزبها ليس إلا خللاً طارئاً في هيكلته القيادية، وتعول زواله بمرور الوقت. على سبيل المثال عندما قرر المؤتمر ومنظمات مدنية التحضير لمسيرة جماهيرية كبيرة في الضالع من المفترض خروجها اليوم الأربعاء،قوبل الأمر بسخرية قيادة المشترك منه، لكن المفاجأة التي أذهلت الجميع هي أن القيادات الحزبية للمؤتمر والمشترك وجدت أن الساحة الشعبية بمختلف أطيافها منهمكة في التحضير للمسيرة بحماس منقطع النظر، ومن غير أن يسأل أحد صاحبه من أي حزب أنت ؟ أو هل حزبك موافق على المشاركة أم لا ؟ بالتأكيد لن نحسب هذا الموقف للمؤتمر، ولن نعده انقلاباً أو تمرداً على المشترك، بل هو موقف محسوب لوعي أبناء الضالع، وللممارسة الديمقراطية الناضجة التي غلبت فيها الجماهير الولاء الوطني على الولاء الحزبي، لأننا في تجارب مماثلة وجدنا أعضاء في المؤتمر يشاركون بفعاليات معنية بالمشترك ذات طابع احتجاجي على تصرف حكومي معين. إن مثل هذه الحالة تؤسس لمسار ديمقراطي حقيقي، طالما كانت مخرجاتها بمثابة تأكيد على رفعة وسمو الوطن على كل المماحكات، والمناورات الحزبية، والرؤى الضيقة التي تنظر من زاويتها بعض الزعامات الحزبية للأحداث الجارية على الساحة الوطنية. ومن هنا يمكن القول: إن الانتماء الايديولوجي قد يحرز الأفضلية حتى ما كان متوافقاً مع الإرادة الشعبية لكن عندما تعتقد بعض قيادات الأحزاب أن الانتماء الحزبي هو القيد الذي تربط به معاصم قواعدها، وتجبرها على الانسياق وراء مغامراتها، فإن ذلك هو الخطأ بعينه الذي غالباً ما يطيح بمثل هذه الأحزاب.