في زمن احتدام الصراعات الحضارية والثقافية ما عادت الكثير من دول العالم تقنع بالمؤثرات الصوتية والمرئية التي تبثها عن بعد، بل أوكلت لملحقياتها الثقافية في الخارج فتح المراكز الثقافية، والنوادي، ومعاهد اللغات، وتنظيم أسابيع ثقافية، وأنشطة مختلفة، في الوقت الذي ما زالت ملحقياتنا الثقافية اليمنية عاجزة عن إدارة شئون بضع عشرات الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج. ففي القاهرة مازال هناك حوالي (61) طالب دراسات عليا يلاحقون وراء مستحقات مالية تعود للعام 7002م حتى زهقوا دون أن يجدوا معيناً.. وفي الهند فوضى عارمة من الاستقطاعات، والإنذارات اليومية للطلاب اليمنيين بالطرد لتخلف الملحقية عن تسديد رسومهم ، وهناك إذلال متعمد في صرف المستحقات، ومناخ التوتر بين الطلاب والملحقية لا نظير له، تعودت الملحقية على تأويله سياسياً ظلماً وبهتاناً. وفي المغرب وألمانيا وروسيا لم ينقطع تذمر الطلاب المبتعثين من سوء معاملة الملحقيات الثقافية، وبين الحين والآخر يلجأون إلى المواقع الإخبارية على الإنترنت لنشر مناشداتهم، وتظلماتهم دون أن يجدوا مجيباً.. أما في المملكة العربية السعودية ففرضت الملحقية الثقافية هذا العام على كل طالب متقدم للحصول على منحة ألف ريال سعودي، وعندما وصل النبأ إلى واجهات المواقع الإلكترونية بشكوى من أولياء الأمور تذرّعت الملحقية بأن هذه المبالغ ستصرف مرتبات لأنها تعتزم إبرام عقود مع مشرفتين وسائقين وسكرتيرة رغم أن المنح لاتتجاوز الأربعين منحة، ولو أن كل أربعين طالباً وظفوا لهم خمسة أو ستة موظفين لانتهت البطالة اليمنية، ولتحولت الملحقيات إلى معسكرات..! وفي ماليزيا أصدر الطلاب اليمنيون بياناً أمهلوا فيه الملحقية حتى يوم غدٍ الأربعاء لدفع مستحقات رسوم عدد من طلاب الجامعة الإسلامية، واستكمال صرف مبالغ تكريمية منحت لعدد من المتميزين من الجامعة، فيما الطلاب يتهمون الملحقية ب (المحاصصة)، وإلاّ إنهم سينفذون اعتصاماً مفتوحاً. هناك قضايا لا حصر لها في أغلب الملحقيات، وعبث، وفساد علني، يتم الإبلاغ عنه، ونشره في وسائل الإعلام، ولا يجد تجاوباً عملياً، الأمر الذي شجع البعض على التمادي، فيما بدأت بعض الأطراف السياسية في الخارج استغلال تذمر الطلاب من ملحقياتهم في تطويره إلى تذمر عام من الدولة.. وبحكم أنني أدير نادياً إلكترونياً للمغتربين أجدني يومياً أمام هموم ثقيلة يكابدها أبناؤنا لوحدهم خلف الحدود. قد يجد البعض في مقال اليوم جرعة جرأة أو صراحة مضاعفة، ذلك لأنني أبث هموم طلابنا على طاولة رجل لا يحب مجاملة في الحق، معالي الدكتور صالح باصرة - وزير التعليم العالي الذي ستؤلمه هذه القضايا لكنها في نفس الوقت ستريحه أنها بلغت مسامعه ولم تبق مخفية، وأن الإعلام صار أحد أدوات وزارته في المتابعة الميدانية. لاشك أن جزءاً من مشاكل الطلاب تتسببت بها جهات أخرى ذات علاقة كوزارة المالية غير أن الطالب ليس معنياً بالإشكاليات بين الوزارات، كما أنه لا يمكن أن يستوعب أن الدولة عجزت عن إيجاد حل لمستحقاته المتأخرة منذ عام 7002م، أو تسوية وضعه - كما هو حال أحد الطلاب في الهند - حين صرفوا مستحقاته للعام الأول ثم سقط اسمه ومنذ عام ونصف وأسرته تراجع دون جدوى. وأخيراً إذا كانت ملحقياتنا غارقة في مشاكل الطلاب فمتى تعمل لمسئولياتها الاخرى الأساسية في تنمية علاقات البلد الثقافية والترويج، والتخطيط لآفاق أوسع من العلاقات الدولية..؟