النضال الوطني والتحرر الإنساني له رجاله وعمالقته، ومهما حاول بعض قصار النظر والفكر التقليل منهم والنيل من حقهم وإلحاق الأذى والضرر بهم، فإن ذلك لا يزيدهم إلا رفعة وعلواً ورسوخاً في وعي المجتمع وتاريخ الإنسانية.. الأستاذ النعمان - رحمه الله - واحد من أولئك الرجال الذين لا يستطيع الملحقون أنفسهم بغبار الثورة وقافلة الأحرار والمناضلين اليمنيين أن يطمسوا ذكراه العطرة من قيادة النضال والتحرر الوطني. صمت النعمان في منفاه بسويسرا كان بحد ذاته رعباً يسكن كل الطلقاء ودعاة الفتنة والمتسابقين على الغنيمة، وإفرازات الأزمات والمطاحنات والصراعات في الساحة اليمنية، ومازال حتى بعد وفاته. على الرغم من أنه قد انطلق من مصر ما قبل عبدالناصر وعاد إليها في العهد الناصري؛ إلا أنه قد وقف مذعوراً مصدوماً من ذلك العهد الذي فرز التحرر العربي وفق المصالح الأولى لمصر وليس للآخر الذي يريده صورة طبق الأصل منه وعمقاً حيوياً لمصالحه وصراعاته الإقليمية والدولية. كان للأستاذ النعمان ذكاء وحكمة وبعد نظر لما تتطلبه القضية اليمنية والنضال الوطني من دعم وفتوحات، وما يجب الابتعاد عنه من منعرجات الارتماء الإقليمي والدولي؛ لأنه لا يؤمن بالخلاص الوطني المدعوم من الخارج المحمول على دبابة المصالح ولوثة العمالة ولعنة التاريخ. آمن الأستاذ النعمان - رحمه الله - أن النضال يصُنع ويُزرع في الوطن، يبدأ من وعي الإنسان اليمني بحقه في الحياة الكريمة الآمنة، في ظل نظام يحترم إنسانيته، يقوم على العدل والإنصاف والشراكة المجتمعية التي لا تقف عند حدود منطقة أو قبيلة بعينها أو مذهب برجاله وفقهه وتشدده وجهله. في الرسالة التي وجهها القاضي محمد محمود الزبيري للقاضي عبدالرحمن الإرياني يخبره بأن النضال دون النعمان ضربٌ لا روح فيه ولا قيم ولا مبادئ، مثلما يخبره بأن النعمان قد توجه إلى حقل آخر من النضال الوطني هو حقل التربية والتعليم. كأني بالأستاذ النعمان قد اقتحم المعركة الكبرى في درب الحرية والتحرر الوطني، ووضع يده فوق الوجع التاريخي والجرح الحضاري للإنسان اليمني، لأنه لا يجدر بصاحب التاريخ العريق والحضارة الإنسانية أن يكون جاهلاً متخلفاً ذليلاً مفجوعاً من طاغية أو زبانية أو مرتزقة؛ لأن ذلك يتنافى ورصيده الإنساني العظيم. لو أننا معشر اليمنيين قد جبلنا على الإنصاف والعدل والاعتراف بالجميل والفضل لأهله، لصنعنا في كل مدينة يمنية تمثالاً للأستاذ النعمان وآخر للزبيري اعترافاً بحقهما في قيادة النضال الوطني منذ ولادته وحتى نضوجه ورشده، وقادا اليمن من الثورة إلى الدولة، ودفع كل منهما ثمناً باهظاً لذلك، حيث استشهد الزبيري وطّرد النعمان وجُرد من جنسيته ووثيقة سفره، وعاش بقية عمره غريباً في منفاه بسويسرا وكأن اليمن تكرّم رجالها الشرفاء والمخلصين ومناضليها بهذه الصورة التي لا تليق. اليوم تسعى جامعة عدن بكل طاقتها المادية والعلمية لتعيد النعمان من غربته ومنفاه التاريخي الذي عاشه الضمير اليمني وليس النعمان، تعيد جامعة عدن بمفكريها وعلمائها الاعتبار للضمير والنضال اليمني معاً، وتعيد للإنسان اليمني وعيه بذاته وعقله ودوره وتاريخه وحضارته. إن حماس وحيوية وهمة جامعة عدن ممثلة برئيسها أ.د عبدالعزيز بن حبتور تجاه ندوة النعمان قد أخذ بعداً وطنياً وإنسانياً يحترم ويُجل. ومن هنا أدعو كل المناضلين الذين غُرّبوا وهمشوا وفضلوا الصمت لأن يحيوا سنّة النضال ويعيدوا الاعتبار لأنفسهم وللتاريخ الوطني في زمن لم يعد فيه للصمت مكان. ندوة الأستاذ النعمان لما لها من مدلول وطني ونقلة نوعية في إعادة الاعتبار للنضال الوطني ممثلاً بهذه الشخصية العملاقة؛ فإني أدعو لأن تكون برعاية فخامة الأخ رئيس الجمهورية تكريماً لهذا الرجل واعترافاً بحقه. ولا أعتقد أن فخامة الأخ الرئيس سيتردد في أن تكون ندوة الأستاذ النعمان برعايته وتحت إشرافه الكريم الذي عهدنا منه احترام وتقدير المناضلين وتاريخهم الوطني. رعاية الأخ الرئيس لندوة الأستاذ النعمان وهمّة جامعة عدن سيكون لهما الأثر الكبير في إعادة النظر في المناهج الدراسية التي تنكرت للنضال اليمني وتاريخ ووطنية المناضلين، ولم تربط الأجيال اليمنية بتاريخها المعاصر.. لماذا..؟ لا ندري. علماً بأن هذا النكران والتناسي لحق هؤلاء المناضلين قد أفقد الأجيال ذاكرة الوطن، وعمّق في وعيها القطيعة بين روح الماضي وحيوية الحاضر وطريق المستقبل الآمن. أتمنى على القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ الرئيس أن يصدر قراراً تاريخياً بإنشاء جامعة بلقيس على غرار كلية بلقيس التي أسسها المناضل اليمني الكبير الأستاذ أحمد محمد نعمان - رحمه الله - إعلاءً لذلك الدور الذي بدأه وبنى قواعده النعمان، وعزز مشواره وأقام أركانه علي عبدالله صالح بعد خمسة عقود من الزمن. والله من وراء القصد