كان لابن رشد إسهام كبير في تسوية الاشتباك التاريخي بين الكلام والفلسفة من جهة، وبين الحكمة والشريعة من جهة أخرى، فإذا كان التشابك بين الفلسفة والكلام تشابكاً اجتهادياً دنيوياً بامتياز، بل وسياسياً في أغلب الحالات، فإن الاشتباك بين الفلسفة «الحكمة» والشريعة «الدين» كان تشابكاً يلتبس بالمثال والعقيدة والعاطفة، ولهذا السبب كان عنوان ابن رشد الدال بمثابة التمهيد الأكبر لتحرير الكنيسة الانجليكانية من دياجير الظلام، فقد كتب ابن رشد مقاله الشهير «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال» وفيه إشارة إلى أن الحكمة والشريعة يمكنهما أن ينفصلا أو يتصلا، والمعيار لاتصالهما أن تسير الحكمة على درب الفضيلة، ومعيار انفصالهما أن تحيد الحكمة عن درب الفضيلة .. التقط «سافورنارولا» و «جوردانو برونو» وبعدهما «مارتن لوثر» تلك الكيمياء السحرية للتعليم الرشدي وساروا على نهجه ولو بصورة مختلفة، فقد كان الفصل بين الفلسفة والدين عند مارتن لوثر فصلاً إجرائياً يصل إلى حد القطيعة ولم يبحث في النقطة الجامعة بين المستويين والتي أسماها ابن رشد «الفضيلة». يذكر التاريخ للفكر العربي الإسلامي إسهامه العظيم في تذليل الثنائيات الصدامية بين المفاهيم والممارسات، وكان للشيخ محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الفضل الأكبر في فك ذلك الاشتباك الموهوم بين الثنائيات، من خلال نظريتي البرزخ والصورة، وكلاهما نظريتان فلسفيتان جماليتان وموضوعيتان أيضاً بما سنأتي عليه تباعاً.