تظل قضايا الأراضي والعقار من الملفات الشائكة والمعقدة وواحدة من الإشكاليات والمعوقات الأساسية لحركة التنمية والتطوير في محافظة حضرموت وخصوصاً في حاضرتها مدينة المكلا, إذ بات هذا الملف الساخن يتضخم شيئاً فشيئاً حتى أصبح (وخزاً) يكدر السلطات المحلية ويسبب لها الكثير من المتاعب والمحبطات.. ربما أن الترحيل والتباطؤ في معالجة هذه القضايا أولاً بأول وحسم تداخلاتها ولجم المتلاعبين بها قد ساعد بشكل مباشر لاستفحالها حتى أصبحت هماً يؤرق المجتمع بأسره ووسيلة للمناكفات والتوظيف السيئ والاستهداف الكيدي وخصوصاً في شقه السياسي. قبل أيام فقط رأس وكيل محافظة حضرموت الأستاذ أحمد جنيد الجنيد في مدينة المكلا اجتماعاً موسعاً ضم قيادات الوحدات الإدارية في مديريات حضرموت "الساحل" والمسئولين في مكاتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في المحافظة والمديريات بحضور وكيل المحافظة للشئون الفنية المهندس فهد سعيد المنهالي ورئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي بالمحافظة الأستاذ عبدالله عمر باوزير. هذا الاجتماع تم فيه الوقوف أمام مشكلات وقضايا الأراضي والعقارات من مختلف جوانبها (التعويضات، انتشار البناء العشوائي غير المنظم, السطو على أراضي وساحات المتنفسات والمصالح العامة، عدم التقيد بالمخططات ووحدات الجوار, توثيق الأراضي، حصر البناء العشوائي القائم، التداخلات بين صلاحيات المديريات بعضها ببعض ومكتب الهيئة، سوء وغياب التخطيط السليم، وتصنيف الأراضي، عدم وجود مكاتب للهيئة في بعض المديريات) وغيرها من المسائل الأخرى التي قام باستقصائها وبحثها وتشخيصها رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي في حضرموت وجمع لها كافة التفاصيل والمعلومات الدقيقة بما فيه من معضلات ومشكلات فنية وإدارية بهدف إيجاد معالجات حقيقية وواقعية تجد طريقها للتنفيذ خاصة في قضايا التعويضات وتصنيف الأراضي وإنهاء التداخلات وتحديد الضوابط والاشتراطات المحددة لتوثيق الأراضي وتنظيم العلاقة بين جهات العقار والاستثمار والزراعة بالإضافة إلى الأمور الأخرى التي يتوجب وضع آليات واضحة وشفافة وإرادة فعلية لمعالجتها. وكإجراء عملي تم تشكيل لجنة مصغرة تضم وكيل المحافظة للشئون الفنية ورئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي والمسئولين في مكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بالمحافظة لوضع تصورات وآليات معالجة قابلة للتنفيذ في القضايا العالقة حالياً في مكتب الهيئة، على أن تقدم هذه التصورات في مختلف جوانبها الفنية والعملية والإدارية وتحديد المعالجات السليمة والنهائية لها إلى قيادة السلطة المحلية بالمحافظة في غضون أسبوع واحد وهو ما يؤكد الجدية والتوجه الصادق نحو الدخول في معالجات حقيقية لإصلاح ما أفسده الزمن وبعض الممارسات غير المسئولة، ربما أن الاجتماع الأخير جاء بشكل مختلف عن سابقاته من الاجتماعات واللقاءات التي عقدتها قيادة السلطة المحلية في حضرموت خلال السنوات الماضية من حيث الطرح المسئول وملامسة كافة القضايا بوضوح والتطرق للمشكلات والمنغصات المحيطة بها وهي التي تحتاج من أجل معالجتها إلى جهد مضاعف وإرادة حاسمة والتزام صارم بالنظم والقوانين، فمعضلة قضايا الأراضي والعقار لابد من مواجهتها حتى لا تكون فعلاً معيقة للتنمية، وأذكر فيما أذكر أن غرفة تجارة وصناعة حضرموت عندما شرعت لتنظيم مؤتمر الاستثمار السياحي والعقاري في مارس م2008 وضعت في مقدمة أجندة المؤتمر قضايا وإشكاليات الأراضي وعقدت لها ورش نقاش للكشف عنها وتشخصيها وما إذا كانت مشجعة أم معيقة لحركة الاستثمار في القطاعين العقاري والسياحي ويومها أدلى المختصون والمعنيون في مختلف الجهات والأجهزة الحكومية ذات الاختصاص برأيهم الصريح، لكن لم يتحرك في هذا الموضوع شيئ ! هناك من يقول: إن إيقاف عملية التوثيق للأراضي أسهم بشكل ملحوظ في انتشار البناء العشوائي غير المنظم إلا أن لدى المسئولين في مكتب هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني مبررات وحججاً تؤكد أنهم على الصواب وفي السليم .. هذا جانب من القضايا المطروحة والمثارة حالياً، لكن هناك قضايا إستراتيجية تتعلق بالمصالح العامة لابد من توافر الاشتراطات الفنية والقانونية لها، فمن غير المفهوم أن يظل فرع الهيئة في حضرموت يعمل خارج الجاهزية الفنية، فالمخططات العامة غير مودعة لديه بل الطامة الكبرى أن المخطط التوجيهي العام لمدينة المكلا في حوزة جهة ليس لها أي شرعية إدارية أو قانونية! من المهم الاهتمام بالجوانب الفنية وعمليات التخطيط الحضري والعمراني ووضع المخططات العامة للمدن والالتزام بها وحمايتها من العابثين، بما في ذلك تصنيف الأراضي وتوزيع المناطق حسب الأغراض والاحتياجات المحددة سكنياً أو استثمارياً وبحيث يتمكن المواطنون من الحصول على أراض للبناء السكني الشخصي وتوافر الضمانات والاشتراطات المطلوبة لها، وقطع دابر المتاجرين والمتلاعبين بالأراضي، والأمر أيضاً يتطلب تكاتف كل الجهود وحشدها في مواجهة البناء العشوائي والسطو والاستيلاء غير المشروع على الساحات والمصالح العامة وأن تستمر تلك المساعي الجبارة التي قامت بها الأجهزة المختصة بدعم وإسناد مباشر من المجلس المحلي في مديرية مدينة المكلا بإزالة ودك البناء العشوائي في بعض أحياء وضواحي المدينة وهي الحملة التي حظيت يومها بمتابعة واهتمام رسمي وشعبي. ما من شك أن هناك صعوبات كثيرة ومتعددة ستواجه هذه التوجهات والمعالجات، غير أن المصلحة العامة والمسؤولية العالية تستدعي وضع حداً وحلول عملية سريعة لقضايا الأراضي والعقارات برؤية واضحة وشفافة بحيث لا يكون هذا الملف مصدراً لخلق المزيد من المتاعب والمثبطات للسلطات المحلية. [email protected]