لقد مثلت مرحلة حكم الرئيس علي عبدالله صالح التي بدأت بانتخابه في 17يوليو 1978م، الفترة الأطول في تاريخنا الحديث والمعاصر، وربما الأهم من حيث حجم الإنجازات والتحديات التي واجهتها ومازالت تواجهها، ولا يمكن إنكار أنه عانى، كما استفاد كثيراً من تراكم التجارب السياسية التي مرّ بها مجتمعنا. بداية نشير إلى أن ما حدث في 17يوليو 1978م شكل حدثاً فارقاً في تاريخ بلادنا قديماً وحديثاً، فلقد كانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها ترشيح واختيار الرئيس عن طريق مجلس الشعب التأسيسي، بدلاً عن الاستناد إلى الأمر الواقع أو الفعل الانقلابي أو الشرعية الثورية التي تميزت بها جميع تجاربنا السياسية السابقة، كما أن الجيش الذي كان يمثل القوة الرئيسة في المجتمع، منحه الثقة للمضي قدماً قصد تجاوز الأزمات السياسية والوضعية الحرجة التي كانت البلاد تمر بها، وبذلك جمع الرئيس علي عبدالله صالح بين الشرعية الدستورية «أي الانتخاب وشرعية الأمر الواقع، أي الشرعية الفعلية المستمدة من المؤسسة العسكرية. وبصورة عامة، يمكن ملاحظة أن تجربة الأخ الرئيس في الحكم، وفي بناء أسس الدولة الحديثة قبل إعادة تحقيق الوحدة، وبعدها تميزت بسمتين أساسيتين كما مرت بمرحلتين هما: مرحلة القطيعة: تحقيق الاستقرار السياسي وتثبيت دعائم الدولة الحديثة أي القطيعة مع جميع التجارب السياسية التي عرفها مجتمعنا وبداية تشكل عهد جديد، وهي مرحلة تحقق فيها الاستقرار السياسي نسبياً، وتم فيها استئناف العمل على استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وهذا يؤكد العلاقة الجدلية التي تربط بين الاستقرار والتحديث السياسي.. فالاستقرار السياسي له دور كبير في الاتجاه صوب التحديث وبناء الدولة الحديثة، كما أن الإصلاح السياسي أيضاً قد يكون عاملاً هاماً من عوامل تحقق الاستقرار السياسي، والتجربة اليمنية في هذا المجال لم تشد كثيراً عن باقي تجارب التحديث السياسي في باقي المجتمعات العربية والغربية. إذن، ونتيجة لتحقق شرط الاستقرار السياسي شهد مجتمعنا نهضة تنموية حقيقية على مختلف الأصعدة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ويمكن الإشارة إلى أبرز التطورات التي عرفها مجتمعنا على المستوى السياسي خلال هذه المرحلة، في التالي: 1 تمكنت السلطة من إحداث تحولات جوهرية في المؤسسات السياسية الموجودة، حيث استطاعت تحويل مجلس الشعب التأسيسي المعين بالكامل إلى مجلس شورى ينتخب ثلثا أعضائه مباشرة من قبل الشعب، بينما يتم تعيين الثلث الأخير من طرف الرئيس، وقد عكست تجربة الانتخابات المباشرة، التي عرفها المجتمع اليمني لأول مرة في يوليو عام 1988م مدى الاستقرار السياسي الذي تحقق في هذه المرحلة، وقدرة السلطة على ضبط الأوضاع السياسية في البلد. 2 قيام مجلس الشورى المنتخب بإعادة انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح، لمدة خمس سنوات تالية، في يوليو 1988م وقد عد ذلك مؤشراً على الثقة التي كانت تحظى بها السياسات العامة للسلطة، كما كان يعني تشبث مختلف القوى السياسية والقوى الحية في المجتمع بالمشروع الوطني الرامي إلى بناء الدولة الحديثة. 3 على صعيد التنظيم السياسي، تشكّل المؤتمر الشعبي العام بعد سلسلة من الحوارات الوطنية الشاملة لجميع مكونات المجتمع السياسية، وقد تمكن من عقد مؤتمراته العامة الاعتيادية بانتظام وفي مواعيدها المقررة، حيث عقد مؤتمره التأسيسي في 24أغسطس 1982م، والثاني في 21أغسطس وفي مواعيدها المقررة، والثالث في تعز 1986م، والرابع في نوفمبر 1988م. 4 كما تم تعيين مجلس استشاري مكون من خمسة عشر عضواً، في العام 1989م، يختص بدراسة القضايا الداخلية والخارجية ذات العلاقة بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد، وهو مجلس معين بالكامل من رئيس الجمهورية، وتوصياته كانت غير ملزمة. 5 ارتبط بهذه التجربة، أيضاً التوسع في تكوين النقابات العمالية، والنقابات المهنية، والتخصصية والجمعيات الحرفية، والجمعيات التعاونية في القطاع الزراعي، وقد بلغ عدد النقابات والاتحادات المهنية، حتى نهاية العام 1989م 17 نقابة واتحاداً، وتأسست خمس جمعيات نسائية، وخمس جمعيات ثقافية واجتماعية، و24جمعية حرفية، وبلغ عدد الجمعيات التعاونية 100جمعية، وإجمالاً تجاوز عدد المنظمات الجماهيرية 300منظمة في مجالات متعددة. وعلى الرغم من كثرة الانتخابات التي عرفتها الساحة الوطنية خلال هذه المرحلة:. المجالس البلدية 1979م التعاونيات والمؤتمر الشعبي 1981 البلديات 1982م المجالس المحلية وتوسيع المؤتمر الشعبي العام 1985م مجلس الشورى 1988م انتخابات النقابات والاتحادات.. فإن الديمقراطية، بالمعنى المتعارف عليه، بقيت هي نقطة الضعف الأبرز في مستوى الأداء السياسي خلال هذه الفترة، وذلك بسبب غياب العلنية وتحريم التعددية الحزبية والتضييق على حرية الصحافة، لكن تبقى هذه الممارسات «الديمقراطية» بالرغم من قصورها وعدم اكتمالها، أفضل من عدمها، فقد هيأت المواطنين لمرحلة التعددية والعلنية التي سيتم الإعلان عنها بمناسبة إعادة توحيد دولتي اليمن عام 1990م. وهكذا يمكن القول: إن هذه المرحلة عرفت ممارسة الصراع والحرب بواسطة السياسة، أي بواسطة الحلول الوسطى المتزايدة والمتنامية، وقد عكست هذه السياسة نفسها على الاستقرار السياسي الذي عرفته الوطنية لأطول فترة في تاريخ اليمن الحديث،فالرئيس علي عبدالله صالح انتهج سياسة تقوم على الحوار وخلق التوازن بين مختلف القوى الشعبية والسياسية،وكذا تمثيل مختلف مكونات المجتمع في مختلف مستويات اتخاذ القرار السياسي،كما عكست هذه المرحلة إمكانية التخرج في عملية التطور والتحديث السياسي،وهو ماجعل هذه التجربة التي جرت في مجتمعنا موضع تقدير كثير من المحللين السياسيين والباحثين. وبعد إعادة تحقيق الوحدة الوطنية حقق مجتمعنا بقيادة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح عدداً من الإصلاحات على كافة المستويات السياسية والقانونية،الضرورية لخلق مناخات مناسبة للاستقرار السياسي وتحقيق التنمية الاقتصادية،وبناء الدولة الحديثة،منها: أولاً: على المستوى السياسي والإداري حقق مجتمعنا عدداً من المنجزات السياسية والإدارية منها:إذ جرت عدد من الانتخابات البرلمانية« لأعوام 39،79.3002م»والرئاسية «أعوام 99،9002م»،المحلية «أعوام 1002م،6002م»،تعزيز الحريات الصحفية وحق التعبير وابداء الرأي «صدور مايقرب من 002 أو أكثر من الصحف الرسمية والحزبية والمستقلة»،وتعزيز مجال حماية واحترام حقوق الإنسان،وتعزيز مشاركة المرأة سياسياً واقتصادياً، وفي الحياة العامة،واتخاذ التدابير التي تعزز استقلال القضاء وحياديته خلال الاستحقاقات الانتخابية،وفي الفصل في القضايا دون تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية،كما عرف تطبيق الإصلاحات الإدارية مثل:تطبيق نظام البصمة الوظيفية،والمسح الوظيفي لمعالجة معضلة الازدواج الوظيفي،وتطبيق المرحلتين الأولى والثانية من الاستراتيجية الوطنية للمرتبات والأجور،إلى جانب الالتزام بإصلاحات سياسية أخرى منها:انتخاب المحافظين ومديري المديريات،وتعديل قانون السلطة المحلية لاستيعاب تلك الاصلاحات،وقد صدرت مبادرة رئاسية لتعديل كثير من بنود الدستور وإدخال إصلاحات سياسية وإدارية وقانونية في 52 سبتمبر 7002م. ولعل أحدث تلك المنجزات مما يضاف إلى الرصيد الحافل بالتطورات والإصلاحات السياسية والديمقراطية ماعرفه مجتمعنا يوم السابع عشر من مايو 8002م؛إذ شهدت بلادنا تدشين تجربة ديمقراطية وسياسية جديدة تمخضت عن انتخاب أمين العاصمة ومحافظي المحافظات لأول مرة في تاريخ أمتنا الحديث والمعاصر من طرف ممثلي الشعب في المجالس المحلية،لتساهم في توسيع مجال الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار على المستوى المحلي،وتحديد الاختيارات السياسية والتنموية من أجل تعزيز اللامركزية في التخطيط والتنفيذ للتنمية، وتشجيع الرقابة الشعبية على الحكم على الصعيد المحلي، تنفيذاً للوعود الانتخابية التي أغلبها مرشح المؤتمر الشعبي العام في الانتخابات الرئاسية 6002م في برنامجه الانتخابي الذي نال بموجبه موافقة الشعب وثقته لمواصلة مسيرة الحكم الرشيد وتحقيق الانجازات الحضارية،ورفع سقف الآمال والطموحات الوطنية والتصدي لكافة التحديات السياسية والتنموية التي تجابه مجتمعنا وتجربته الوحدوية والسياسية الرائدة. ثانياً: على المستوى القانوي تعززت الترسانة القانونية بصدور أو مناقشة عدد من القوانين أو تعديل بعضها:تعديل الدستور ليتضمن النص على«حرية التجارة والاستثمار وبما يخدم الاقتصاد اليمني» «م01من الدستور المعدل سنة 1002م»،وقانون الاستثمار وتعديلاته،وصدور قانون السلطة المحلية،والاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي،وقانون الذمة المالية،وصدور قانون مكافحة الفساد،وقانون المناقصات والمزايدات الحكومية،وقانون استقلال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة،والإعلان عن انضمام بلادنا إلى المبادرة الدولية للشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية،ولتنفيذ تلك القوانين والسياسات فقد التزمت الحكومة الهيئات المعنية. مرحلة الاستمرارية:وعودة الصراع السياسي لقد ظل عدم الاستقرار،وتجدد الصراع السياسي سمة غالبة لمعظم التجارب السياسية السابقة،وهذا عكس نفسه على جهود التحديث السياسي وبناء الدولة الحديثة التي ظلت تراوح مكانها،خلال مراحل زمنية كبيرة،كما كانت حالة الفراغ السياسي هي السائدة طيلة فترات مهمة من المراحل السابقة،خاصة في ظل حظر ومنع الحزبية والتنظيم السياسي،أو إقصاء وغياب أو تغييب باقي أطراف المنظومة السياسية والشعبية في بلادنا في صنع القرارات السياسية المصيرية. بمعنى آخر،إن هذه المرحلة عرفت تجدد وعودة واستمرار الصراع السياسي بشكله الأكثر عنفاً، وربما الأسوأ أثراً نفسياً نتيجة رفع مطالب الانفصال وعودة التشطير،وهذا مانخشاه على تجربتنا ودولتنا الحديثة؛فهذه الحالة تبقى بيئة غير ملائمة بالمرة لنجاح أي مجهود في مسار التحديث السياسي وبناء الدولة الحديثة،ونؤكد كذلك،أن أحداث العنف التي بدأت تعود من جديد في بعض محافظات الوطن،شمالاً وجنوباً سوف تقف حائلاً أمام تحقيق مزيد من المنجزات في إطار تثبيت دعائم الدولة اليمنية الحديثة،وتعزيز البناء الديمقراطي والتنموي في بلادنا،وربما تزيد من قاعدة التذمر الشعبي من السياسات المتبعة والحلول المطروحة،وهذه مناسبة تاريخية تقتضي من فخامة الأخ الرئيس حكمة كبيرة في التعامل مع هذه الأحداث،ودراسة أسبابها،وتحديد سبل التغلب عليها من أجل قطع دابر الفتنة وسد باب الذرائع في وجه أي فصيل سياسي أو أي طرف داخلي أو خارجي يتربص بوحدتنا ودولتنا اليمنية، ولعل تجربته وخبرته السياسية كافية وكفيلة برسم معالم الحل العادل لجميع مشاكل الوطن اليمني الكبير. «٭» جامعة إب