ليس هناك ما هو أسوأ من أن يتخلى الإنسان عن إنسانيته تحت أي مبرر، ولا مبرر لهذا الأمر إلاَّ في قواميس البشاعة التي تجيز لأصحابها اقتراف الجرائم بسهولة على النحو الذي اقترفته أيادي الإجرام بحق ثلاثة من أبناء «القبيطة» لتكشف مرة أخرى وبصورة أخرى حقيقة أصحاب مشروع الحراك. التفاصيل التي سردها الناجي الوحيد من المذبحة تؤكد أن الذين قاموا بذلك العمل وقد ذكرهم بالاسم هم خريجو مدرسة التصفيات الجسدية التي لها سجل بشع في هذا الجانب وأن المكان الذي جرت فيه العملية لم تجرِ لأول مرة، إنما هي امتداد لمرحلة لها نفس اللون والنتيجة، وبهذه المذبحة عاد أصحاب التصفيات لماضيهم وحاولوا من خلال ما قاموا به اجترار الماضي الدموي الذي أغلقت أبوابه الوحدة المباركة التي يناصبونها العداء. إنه الحنين للفعل ذاته، والمكان ذاته فلا يمكن لإنسان ما لم يكن صاحب سوابق من هذا النوع أن يفكر بالطريقة التي فكر بها القتلة حين استدرجوا الضحايا بالطريقة التي وصفها الناجي من الموت ليكون شاهداً على البشاعة وشاهداً على أصحاب مشروع المقابر الجماعية والقتل على الهوية المناطقية. لقد فشل أولئك في عرض قضية يحترمها الناس في الداخل والخارج فضاقت صدورهم مبكراً ولجأوا إلى أسلوب التصفيات والتضييق على الناس في مصادر عيشهم بأسلوب همجي لم يفكر بمثله من قبلهم أحد وذهبوا نحو أساليب الصفويين في العراق بعد الغزو، حيث جرت التصفيات على الهوية المذهبية وفعلوا كل الجرائم وقتلوا ما لا يُحصى من البشر وفقاً لذلك المبدأ، فكانت أسوأ مذبحة ترتكب بحق شريحة واسعة من أبناء الرافدين قام بها الصفويون هناك، وهاهم صفويو الحراك يمارسون ذات البشاعة على الهوية المناطقية.. ترى هل سأل زعيم تلك العصابة نفسه عن المكسب الذي سيحققه جراء قتل أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل بالعقد النفسية التي يعانيها أصحاب الحراك؟ هل سأل نفسه ما الذي سيتغير بقتل أولئك الأبرياء على مستوى المطالب الحراكية؟ على العكس من كل الحسابات التي يمكن أن تخطر على بال المجرمين، فقد جاءت النتيجة مغايرة لكل تلك الحسابات والتوقعات لتخلق اصطفافاً وطنياً كبيراً في مواجهة هذه الأساليب وما سبقها وأعادت ترتيب مفاهيم ورؤى الكثير من الناس الذين كانت الصورة غير واضحة بالنسبة لهم وكانوا يظنون ولو بأدنى مستويات الظن أن الأمور أسهل من ذلك بكثير وأن الدعوات التي يرددها أصحاب الحراك أو العراك لن تصل إلى حدود الإجرام البشع وقطع الطرق ونهب الممتلكات والتخريب بشتى أنواعه تحت مسمى الحراك السلمي. هذه العملية الإجرامية أعادت تشكيل الوعي الحقيقي حول ما يحدث، ويفترض أن تفعل ذلك ليفهم الناس جميعاً قبل فوات الأوان خطورة هذا المشروع الصفوي الجديد الذي يتستر خلف مسميات وشعارات ومطالب وأهداف مختلفة ثم تتضح الصورة والمشهد كاملاً على حقيقة هذا المشروع القاتل الذي يقتل على تصنيفات من صنع الشيطان ويستدرج الضحايا من باب المودة إلى ساحة الموت وهم بذلك يريدون استدراج وطن بكامله نحو الصراع والاقتتال ليحلو لهم الرقص على الدماء والأشلاء والجثث وعلى إيقاع البكاء والنحيب والأنين وأسوأ من كل هذا، فلا نامت أعين الجبناء.