مع أن الجميع متفق على أن لكل زمن رجاله، إلا أننا اليوم مطالبون بالاقتناع أيضاً أن الكثير من مشاكلنا الداخلية مردها إلى أننا لم نواكب تجدد الحياة بتجديد في أدواتنا، وممارساتنا بحيث ترتقي إلى مستوى الرهانات الوطنية والتحديات التي نواجهها. من المؤسف أن بعض صناع القرار لم يتعلموا كثيراً من مدرسة الرئيس علي عبدالله صالح، ولم يستوعبوا ظروف المرحلة، فباتوا عقبة أمام حركة تطور اليمن واستقرارها.. فكم يبدو الرئيس الصالح حكيماً في قوله بأن المسئولية المناطة بشخصه «الرئاسة» هي في الحقيقة «تكليف وليس تشريف». وكم يبدو حكيماً أيضاً حين يؤكد في كل خطاب وطني على ضرورة «تجديد الدماء» في مختلف قطاعات الدولة، لكونه رجلاً عصرياً خلافاً لكثير من المسئولين والقياديين الذين يعتبرون وجودهم في قمة القطاع الذي يخدمون فيه بمثابة ملكية احتكارية، لا ينبغي لأحد الاقتراب منها. فعلى سبيل المثال، نجد أن هناك قياديين يَمنُّون على الوطن بخدمتهم الطويلة، والبعض منهم استغل نفوذه سلبياً في البسط على الأراضي، وجني الامتيازات، والتدخل في شئون مؤسسات أخرى على نحو غير قانوني.. إلخ، وهم اليوم يقفون بالمرصاد للقيادات الشابة التي حظيت برعاية علمية من لدن القيادة من خلال الابتعاث، وبدأت تفرض نفسها في الساحة بفضل نشاطها وحسن تعاملها، وأيضاً تفانيها في خدمة الوطن. فإذا كان رئيس الجمهورية نفسه رغم كل ما قدمه لليمن قَبِلَ على نفسه أن يقف أمام صناديق الاقتراع مع منافس آخر لم يقدم مثقال ذرة لشعبه، فما الذي يمنع الآخرين من استلهام هذه الثقافة الرامية والتوقف عن المنِّ على الوطن، وافساح المجال للقيادات الشابة بأن تأخذ فرصتها، وتفيد الوطن بخبراتها، وتواكب العصر بأفكارها وأسلوبها في القيادة.؟ إن من الغرابة بمكان أن نسمع قصصاًعن غرق بعض عناصر القوى التقليدية في أعمال البسط والنهب في نفس الوقت الذي تنهمك القيادة السياسية في معالجة قضايا الأراضي.. بل ويصل الأمر إلى الكيد لبعض القيادات الشابة المخلصة للوطن انطلاقاً من أنانية، أو اعتقاد بأن المصالح ستتقاطع.. وهو الأمر الذي أدى فعلاً إلى تقاطع المصالح، ولكن مصالح الوطن، بسبب محاولات الفرض القسري للقوى التقليدية على قوى الحداثة وهيبة القانون، وعلى أمن الوطن واستقراره، لأن هذه القوى التقليدية تدس أنفها في كل مشكلة لتلعب دور الوسيط، فتعرقل بذلك إرادة الدولة في فرض هيبتها القانونية السيادية. إن على اليمن أن تدرك خطورة هذه الحقيقة وأن تتخذ قرارها الشجاع في وضع حد لهذه الظاهرة، لأن إصرار القوى التقليدية على الإمساك بزمام أمور الدولة والتحكم بالأحداث والخيارات الوطنية لا يعني سوى وأد طاقاتها الإبداعية الشبابية، وتجريد الحياة اليمنية من أدوات التقدم والاستقرار.. ونعتقد أن القيادات السياسية متنبهة لذلك ولديها من الحكمة ما يكفل لليمن الحفاظ على توازناته الاستراتيجية.