السكن كلمة مستمدة من السكينة والهدوء ، والمسكن يمنح الإنسان الخصوصية والاستقرار النفسي والاجتماعي ، فإذا توفرت ظروف مناسبة للسكن في مكان ملائم ولائق وآمن يصبح الفرد عضواً فعّالاً ومنتجاً داخل المجتمع وقادراً على إنجاز واجباته على الوجه المطلوب. والسكن من الأساسيات الضرورية في الحياة ويقف في مصاف واحد مع الغذاء والملبس والصحة ، ويظل المسكن الملائم مشكلة مقلقة وتؤرق جميع الناس طمعاً في الحصول على ما هو أبعد من مجرد مأوى يتكون من سقف وأربعة جدران إلى الاهتمام بشكل المكان الذي سينعم فيه الإنسان بالحياة والدفء والاطمئنان ، ومن المفارقات ، ماذا لو كان مسكنك سبباً في قلقك وخوفك الدائم حيث يشكل خطراً عليك وعلى أفراد عائلتك ؟!. في فترة سابقة كنت قد تناولت في إحدى التحقيقات الصحفية موضوعاً عن الأوضاع المتردية التي وصلت لها عمارات شارع الشهيد مدرم المعروف ب(الشارع الرئيسي ) بمديرية المعلا وقد بلغ عدد العمارات حوالي (100 عمارة سكنية ) ؛ بسبب الإهمال وغياب الصيانة منذ بنائها قبل نحو نصف قرن من الزمن أصبحت اليوم في حالة يُرثى لها ، وباتت بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل وترميم وإجراء إصلاحات قد يصعب على معظم ساكنيها من ذوي الدخل المحدود القيام بها بمفردهم دون تعاون الجهات الحكومية المختصة في دعم ومساندة الساكنين للحفاظ على شققهم ، وقد تعرضت بعض من تلك العمارات في عام 1993م نتيجة هطول أمطار غزيرة على عدن دامت أياماً متواصلة لهبوط في أساساتها بضعة سنتيمترات ، وفي عام 2006م كلفت محافظة عدن لجنة فنية تضم عدداً من مهندسي النقابة وجامعة عدن بمعاينة أوضاع المباني في الشارع الرئيسي ، وجاء تقرير اللجنة موضحاً أن العمارات آيلة للسقوط بسبب ارتفاع مياه المجاري على أساساتها وتعاني من تآكل حديد التسليح. كما أن تسليك الكهرباء وتمديدات المياه لم تعد صالحة ولابد من إيجاد حلول لتدارك الوضع وتجنب كارثة حقيقية، لقد مر على هذا التقرير أربع سنوات ولا حياة لمن تنادي، معاناة السكان تزداد يومياً دون أن يجدوا أية استجابة من المحافظة والمجالس المحلية ، ويتملك الناس خوف شديد من مساكنهم حتى الأمطار الغزيرة أصبحت مصدر ذعر فقد تؤدي إلى مالا يحمد عقباه . إن قدم العمارات والإهمال المشترك من الساكنين والجهات المعنية كان من الأسباب الرئيسية لتدهورها ، لكن الأمر يختلف تماماً في العمارات البيضاء بالمدينة التقنية فرغم عمرها القصير التي لا يتجاوز عدة سنوات فإنها تواجه ذات المشكلة والكارثة ، فقد استقطع الناس من قوتهم وقوت أطفالهم لدفع أقساط شراء الشقق لتأمين سكن محترم ولائق ، واليوم لا تختلف معاناتهم كثيراً عن معاناة سكان عمارات المعلا ، التسريبات في المجاري والناتجة عن عمل الحمامات بطريقة خاطئة وغير مستوفية للمواصفات والشروط الذي تضمن سلامة المباني أدت إلى ظهور تشققات في الأسطح وعلى الجدران وامتلأت بالرطوبة، أضرار بالغة ومشقات تحملها الساكنون دون أن يجدوا من يقف في صفهم ويساعدهم على استرداد حقوقهم من العابثين . أما منطقة حي السلام في خورمكسر حيث تضم حوالي خمس عشرة عمارة سكنية خشبية كان قد نشب في إحدى مبانيها منذ سنوات حريق هائل ، تلك المباني تأوي في داخلها المئات من الأسر البسيطة قد قاربت على التآكل بعد أن نخرتها الأرضة وتساقطت الكتل الإسمنتية عنها ، وغير متاح مجرد دق مسمار على جدرانها حتى لا تهوي فوق رؤوس ساكنيها . وضع المساكن مزرٍ للغاية ويحتاج إلى وقفة جادة وإنسانية من محافظة عدن ومجالسها المحلية لاتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لكارثة ومأساة يتوجس منها الكثيرون .