لا يختلف اثنان على أن تفشي الأمية في أي بلد وقطر يسهم في تأخير عملية نموه وتطوره، حيث يبقى مشلول الإرادة وتغيب فيه روح الإبداع والتميز، فالجهل لا يولّد إبداعاً والأمية لا تصنع تقدماً ونهضة، ومن هذا المنطلق حرمت غالبية بلدان العالم على الخلاص من هذه الآفة المتشعبة الأضرار وتمكنت الكثير منها وخصوصاً الدول المتقدمة في الخلاص منها بصورة نهائية وأضحت الأمية عندهم تتمثل في عدم القدرة على التعامل مع الكمبيوتر والحاسوب والتخاطب بأكثر من لغة عالمية، وهناك دول ماتزال مستمرة في جهودها الرامية للخلاص من الأمية ومنها بلادنا، باعتبار أن التحرر من الجهل والأمية هدف سامٍ من أهداف الثورة المباركة، ومن أجل ذلك تم استحداث قطاع عام بوزارة التربية والتعليم متمثل في جهاز محو الأمية وتعليم الكبار، حيث يسعى هذا الكيان التربوي إلى إنهاء أمية شريحة واسعة من أبناء الوطن ذكوراً وإناثاً بهدف تحويلهم من عالة على المجتمع إلى عناصر فاعلة تسهم في مسيرة البناء والنهوض بالتنمية. ويحسب لجهاز محو الأمية وتعليم الكبار التوسع الملحوظ في جانب تقديم الرسالة الإنسانية السامية وهي التعليم لتشمل كافة محافظات الجمهورية ولعل مايثلج الصدر ويزيل هم النفس أن تشاهد الكثير من الأميين نساءً ورجالاً الذين التحقوا بصفوف محو الأمية تمكنوا من قهر الصعاب وتجاوز المستحيل وأضحوا اليوم أساتذة في الجامعات وأطباء وغيرها من المجالات المهنية والوظيفية التي التحقوا بها بفضل الله ثم بعزيمتهم وإصرارهم على إثبات الذات ليأكدوا للجميع أن مهمة طلب العلم والمعرفة لا تعترف بالأعمار بل هي حق متاح لكل شخص يرغب في اكتساب العلوم والمعارف والتزود بما يفيده في دنياه وآخرته. هذه الجهود المشكورة وهذه النجاحات الملموسة يقف خلفها طاقم متميز من المدرسين والمدرسات غالبيتهم يعملون بنظام التعاقد السنوي مقابل مبالغ زهيدة جداً قد لا تتجاوز ثمانية آلاف ريال في الشهر الواحد، ولا أعلم هنا ماهي الحكمة في هضم المرتبات والأجور الخاصة بكوادر محو الأمية رغم أهمية المهام والأعمال المنوطة بهم في وقت يفترض أن يكون الوضع المادي لهؤلاء هو ذاته الوضع الخاص بالمعلمين في التعليم العام، فالجميع يؤدون نفس الرسالة, وإذا ما أردنا فعلاً الخلاص بصورة نهائية من شبح الأمية فعلينا أولاً تحسين المرتبات والأجور للمعلمين والمعلمات والعمل على تثبيت هذه الكوادر في وظائف رسمية في مجال محو الأمية ليواصلوا المسيرة بخطى حثيثة وعزيمة قوية وبمعنويات عالية وهذا سيسهل عملية التدريب والتأهيل لهم مما ينعكس إيجابياً على مستوى الأداء في الميدان وفي ذات السياق لابد أن يكون لهذا الجهاز التربوي بنية تحتية خاصة به عبارة عن مراكز أو مدارس مستقلة خاصة بمحو الأمية موزعة على كافة محافظات ومديريات الجمهورية والتركيز على المدن ذات الكثافة السكانية والتجمعات القروية في المناطق الريفية والتي ترتفع فيها نسبة الأمية بشكل ملحوظ وعلى الحكومة تقع مسؤولية توفير الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء هذه المراكز والمدارس الخاصة بمحو الأمية تماشياً مع مضامين البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية ولضمان سرعة إنجاز هذه المهمة الوطنية ليجني الوطن ثمارها الطيبة. ولابد أن تدرك الحكومة أن قضية محو الأمية ليست مسألة ثانوية أو كمالية، بل هي قضية أساسية ترتبط ارتباطاً مباشراً بعملية التنمية ، من الخطأ النظر إليها بدونية ومحاولة التقليل من شأنها كما ألمسه أنا من خلال تدني الأجور والمرتبات وعدم توظيف الكوادر العاملة في هذا المجال وافتقار هذا القطاع الهام للدعم المادي الذي يتناسب وطبيعة الأعمال والمهام التي يقوم بها واتطلع أن يكون للمجالس المحلية اسهام في هذا الجانب نلمس أثره على أرض الواقع في حدود الإمكانات المتاحة والمتوفرة في إطار خطط وبرامج التنمية المحلية المنشودة من نظام السلطة المحلية.