الأصل في العلاقات الإنسانية الحب للآخر حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ويقول في موضع آخر «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».من عظمة الدين الإسلامي أنه سبق كل التشريعات الحديثة فأعطى العلاقة الإنسانية بعداً إيمانياً أقرن الإيمان بحب الآخر ونهى عن التباغض والتحاسد والتحقير للآخر وحرم دم ومال وعرض المسلم، ونعلم أن مفهوم الكراهية يناقض مفهوم الحب، ومفهوم الإيمان يتناقض مع مفهوم الكفر وبالتالي فإن الكراهية للآخر وضعت في ميزان واحد مع الكفر. الكراهية ذات الأفق السياسي أكثر خطورة على العلاقات الاجتماعية لأنها تأخذ طابعاً انتهازياً تطغى فيها الحسابات السياسية على أي مواقف أو حسابات أخرى. والخلط بين السياسي والحقوقي يجعل من مسألة الفصل بين الظلم والعدل أمراً غاية في الصعوبة، السياسي بطبيعته انتهازي يتلاعب بالمسميات والألفاظ لتحقيق أهدافه ويتدثر بالحقوق لإكساب مطالبه السياسية بعداً قانونياً وإنسانياً. الفساد والظلم والفاسدون والظلمة موجودون في كل زمان ومكان مع وجود فوارق نسبية تزيد أو تقل حسب طبيعة كل مرحلة، لكن التاريخ يفيد بأن رفض الظلم والفساد ورفض أسبابهما وعناصرهما لم يتحول إلى كره اجتماعي وكره الإنسان لأخيه الإنسان، فما بالكم بكره المسلم لأخيه المسلم. الباعث لثقافة الكراهية ليس فقط الظلم والفساد وإنما الصراع السياسي الذي يتخذ من ثقافة الكراهية أداة ووسيلة أساسية في تحقيق أهدافه السياسية وعلى حساب دماء الأبرياء من الناس وحساب تفتيت الأوطان، والاستقلال السياسي لهذه العناصر يعد أسوأ أنواع الاستغلال والمنتج البشع للثقافة المقيتة. المسؤولية الأدبية والإنسانية لرجال الفكر والثقافة والإعلام هي التصدي لمثل هذه الدعوات والتمييز بين دعوة الناس للمطالبة بحقوقهم وبين كراهية الآخرين وأنه بالإمكان نشر ثقافة مناهضة للفساد والفاسدين وتعزيز الثقافة الحقوقية بالنصوص القانونية التي تمكن الناس من الحصول على حقوقهم دون النظر إلى جغرافية الفاسد والظالم أو المسؤول المعني بتمكين الناس من حقوقهم. ثقافة الكراهية والحقد تعمي البصر والبصيرة تجعل الكاره الحاقد لا يرى الأمور إلا من زاوية كراهيته للآخرين، يتجاهل جوانب الخير لديهم وتبرز أمامه جوانب الشر. الكراهية والحقد تعوِّد الإنسان على التشاؤم والنظرة السوداوية للحياة مما يقوده إلى اليأس والإحباط ومن ثم الفشل، وعلى العكس من ذلك الحب والأمل والتفاؤل يبعث على الشعور بالسعادة والرضى التي هي أساس الحياة. ثقافة الكراهية تدفع بالأفراد إلى التمرد على الواقع؛ لأن الفرد يرى أسباب فشله في الظروف والمجتمع والسلطة والآخر الذي تحدده عقليته فتتولد لديه نزعة عدائية للمجتمع والآخر فيستسهل إلحاق الأذى بمجتمعه ويتحول إلى عنصر خطر عبء على المجتمع، وفي نهاية الطريق يتحول هذا الوعي المتمرد إلى سلوك إجرامي يكون القتل هو صورة مبسطة لنتائج هذا السلوك.