ما انفك المعارضون اليمنيون يتحدثون عن الديمقراطية ويبحثون عن الحريات، ويدعون إلى التغيير، لينتهي بهم المطاف إلى مفترق خيارات وحقائق حرجة للغاية حين فوجئوا بأن الناطق بلسانهم لا يقيم وزناً لإرادتهم، فصار يختار لهم «الزعماء» ويسند رهانه إلى قبيلته بدلاً عن الرهان على شعبه أو مناصريه. قرأت الكثير من كتابات وبيانات المعارضين في اليمن التي تُرجع كل المشاكل في البلد إلى «القبيلة» ونفوذ المشائخ، وما يجرّون على اليمن من بلاء.. غير أنني لم أفهم لماذا لم يجد الأكاديميون والمثقفون محلاً في قيادات أحزاب المعارضة، ولا يمر يوم إلا وتكرّس نفوذ المشائخ والتجار في أعلى هرم هذه الأحزاب، حتى بات رئيس لجنة الحوار الممثل لأحزابها شيخاً. المشكلة ليس في «الشيخ» فكثير من المشائخ كان لهم الفضل في الثورة اليمنية، والوحدة، ومثلوا صمام أمان لبلدهم ، كما هوالحال مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر «رحمه الله».. لكن المشكلة تكمن في التناقض بين المطلب الشعبي وبين «الثقافة القبلية» عندما تتخلف عن ثقافة القاعدة الحزبية. فهل يتطلع المعارضون إلى التغيير نحو مزيد من الحريات الديمقراطية، أم أنهم يكتفون بالوصاية الحزبية التي تختار لهم الرؤساء وتقرر أمورهم وشئونهم، وحكامهم المحليين، ونوابهم دون العودة إلى أحد منهم، على غرار ما فعل «الشيخ» حين قرر حصر الحكم الجمهوري وفق نظرة مناطقية. ماذا يريد المعارضون بالضبط ؟ فهم يتحدثون عن مثاليات سياسية وديمقراطية، لكن الناطقين باسمهم أمام الرأي العام العالمي يتحدثون عن «وصاية قبلية» ويقولون إنهم سيحتمون بقبيلتهم، وليس بشعبهم. كثيراً ما كنت أدافع عن «القبيلة» وأعذر بعض ممارساتها السلبية لأنها ظلت بعيدة عن الحراك التنموي الذي يحضرها ويرفع درجة وعيها، لكنني دائماً أصطدم بالإخوة المعارضين الذين لايتركون سوءاً في الحياة إلا ويلصقونه بالقبيلة، لكنني اليوم أجدهم غارقين في العصبيات القبلية، وينْحَنُون من كبيرهم الأستاذ في الجامعة، إلى أديبهم، وعالمهم أمام شيخ القبيلة، ويولونه أمورهم، في نفس الوقت الذي يروون عنه القصص في مجالس القات، ويحذرون القاصي والداني منه. بعد كل الأحداث التي تشهدها البلد، أتساءل : أما آن الأوان للجميع أن ينزعوا الأقنعة ويكونوا صادقين مع وطنهم وشعبهم ؟ ألا يكفي عصبية عمياء أغشت العيون عن كل الحقائق ورفعت الصغار إلى منازل العظماء، وهوت بالعظماء إلى الحضيض.. وخلطت الحابل بالنابل على حساب القوى الشريفة المخلصة للبلد ؟.. لا أعتقد أن الظروف مواتية لمزيد من اللعب السياسي، والعبث بمستقبل البلد.. فليقل كل واحد ما في نفسه بكل صراحة، وليحدد مواقفه بوضوح.. فالناس لم تعد تحتمل مزيداً من المعاناة !؟