في الصحافة المعاصرة لم تعد بيئة الابداع تقاس بالمعايير التي الفناها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم بل بمعايير مستجدة تزداد حضورا وأهمية يوما بعد يوم .. فالصحافة المعاصرة اصبحت تعتمد الى حد كبير على تمازج العناصر التحريرية والاخراجية بالاضافة الى الترويج والاعلام بالمعنى الواسع الذي يتجاوز الترويج التقليدي بوصفه اعلانا عن ابرز المحتويات في الجريدة او عن الانفرادات المحتملة في هذا العدد او ذاك . بيئة ( الملتيميديا ) او الوسائط المتعددة اصبحت تلعب دورا حاسما في معادلة الجريدة المعاصرة من حيث كونها بيئة تسمح بالتفاعل الابداعي بين عناصرها المتنوعة وخاصة التدفق الحر للمعلومات والقدرة على معاينة مالدى الآخرين بضغطة زر واستخراج المعلومات الضرورية لتعزيز هذا الخبر او ذاك التحليل .. ايضا المعاينة اليومية لفنيات المعالجات البصرية في الصحافة العالمية بما يساعد على امتلاك افضل الاساليب والوسائل لتأمين معادل بصري حديث وجذاب .. لهذا السبب لجأت كبريات المطبوعات الدولية الى استحداث وظيفة مدير التحرير الفني بوصفه الجامع بين دفتي التحرير والاخراج .. او بوصفه الاقدر على التعامل القياسي مع المعطيات النصية وتلك القادمة من الاخراج .. بالاضافة الى ملاحظة مالدى المنافسين من سلعة صحفية . هنا لابد من لفت الانتباه الى ان الجريدة المعاصرة لم تعد جريدة خبرية جدا او محلية جدا او تواقة للمواكبة التحليلية فقط او فضاء للمنوعات بل هي جريدة شاملة تتوازى مع مجلات المنوعات والثقافة والفكر دون ان تغفل شخصيتها الاساسية المرتبطة بالخبر المحلي والعالمي .. لقد وضعت التكنولوجيا المعاصرة امام القائمين على امر المطبوعات العديد من الخدمات المبهرة والحيوية لكنها بالمقابل وضعت الذهن والذائقة امام متاهة للخيار والاختيار بحيث يصعب التعامل الابداعي مع هذه القابليات دون مواكبة تقنية وفكرية ايضا. انها مصيدة الحداثة لايحسن التعامل معها من لايجيد العوم في تياراتها الجارفة .. اصبحت المطبوعة اليومية من اكثر المجالات علاقة ببيئة الابداع التفاعلي .. تلك البيئة التي تسمح بتفاعل عناصر العمل على قاعدة من التكامل والتناغم دون ان يحل عنصر محل الآخر او يلغيه . هذه الكيمياء السحرية التي لايمكن تحقيقها بدون رؤية واسعة ومتجددة لاساليب النشر وكيفية الوصول الى القراء والمعلنين والنخب وغيرها من دوائر . هذا الامر يقتضي الاشارة الى ضرورة مغادرة الاساليب التقليدية في التعاطي مع المطبوعة اليومية وخاصة مايتعلق منها بتجيير العناصر والمؤثرات البصرية لصالح النص المكتوب .. فالصورة الفوتوغرافية بحسب هذا المنهج ليست سوى ترجمة ميكانيكية للخبر .. والمساحات المتاحة للاخراج تعتمد النزعة الايقونية في تنظيم مدخلاتها.. ولابأس من اللجوء الى تعبئة الفراغات بطريقة متسارعة .. اما طاقم الاخراج فحسبه ان يقوم بمهمة التنفيذ على قاعدة القص واللصق المألوفة والتي لاتخلو من لمسات توازنية وجمالية . يبقى الموضوع الاكثر اهمية والمتعلق بكيفية معالجة المادة التحريرية واستخدام اكثر اساليب المهنة عصرية ورشاقة والاعتماد على فريق عمل حيوي في السكرتارية المركزية للمطبوعة بحيث يكون فريق عمل متفاعلاً مع الوسائط المتعددة ومفتوح الافق على مستجدات الساحة .. ورائيا لما وراء أكام الظواهر والاشكاليات . واذا كانت بيئة العمل التفاعلية والمبدعة شرطا هاما في المطبوعة فإنها شرط اكثر تعقيدا وحيوية في الزمن بالنسبة للفضائيات حيث تصبح كل العناصر المرئية والمسموعة والمقروءة حاضرة في اساس المادة الاعلامية .. ولهذا حديث آخر سنأتي عليه لاحقا .