ليس لأنه كتاب عبادة فقط كالصلاة والصوم.. لأن الإسلام ليس ديناً فقط يحدد صلة الإنسان بالله، بل هو كما قال الأستاذ علي الطنطاوي: «دين وتشريع وقانون دولي وأخلاق، وهو يحدد صلة الأفراد بعضهم ببعض، وصلة الأفراد بالدولة، وصلة الدولة بالدول الأخرى، ويرسم طريق الأخلاق والسلوك.. فهو «أي الإسلام» نظام كامل للحياة لا يشبهه في هذا دين من الأديان التي يتبعها البشر». وكنت أتمنى لو أن الدكتور عادل شجاع استطاع أن يحافظ على إعجابنا بمقاله حتى النهاية فيلتزم الموضوعية كما التزم بها في النصف الأول من مقاله المميز. فقد ذكر الدكتور شجاع أن ما يجري في صعدة يتعلق بجماعة خرجت على الدستور وعلى القانون، وبدلاً من أن تواجه الدولة هذه المسألة مند بدايتها بما تستحق من الحزم والحسم.. أخذت تتعامل معها بقدر من التراخي فأدخلت في حلها حسابات خاطئة، أفرزت تحالفات مع القوة القبلية والقوة السلفية حسب تعبير الدكتور شجاع فانقسمت القبائل إلى قسمين، قسم مع الدولة وهم الانتهازيون الذين يبحثون عن السلاح والمال لذا كانت الهزيمة في الأيام الأخيرة قاسية وفاضحة، وقسم آخر تحالف مع الحوثيين، وهم أيضاً الانتهازيون، لكنهم موجودون على الأرض، بينما الطرف الأول موجود في العاصمة وقد تركوا إدارة المعركة لسماسرة يديرون الحرب بعيداً عن معرفتهم بطبيعة المعركة؛ ولأن هناك أرواحاً غير قليلة قد أزهقتها الحرب وممتلكات قد أكلتها نيرانها.. فإننا نشعر بنبضات قلب الدكتور شجاع تخفق وتضطرب حزنا وأسى، وإذا فتشنا في الساحة اليمنية كلها فإننا لن نجد إلاَّ مكروباً أو محزوناً بسبب هذا الاقتتال الذي لا يبرره دين ولا يقبله عقل أو منطق. ومع ذلك فما زال مرشحاً للتفاقم والاشتعال..!! ليس فقط في صعدة وإنما أيضاً في مناطق يمنية أخرى حيث تدبر مكائد وتصنع مؤمرات في كهوف مظلمة، تستقبل الوحي فيها مطبوخاً جاهزاً عبر الريموت، عقول ضالة وأفئدة ساخطة يأتيها الوحي من زعماء تربوا على الترف الانجليزي والحقد الماركسي يعيشون في فنادق فخمة في بروكسل وباريس ولندن وغيرها من المدن الأوروبية.. هؤلاء الزعماء المترفون تجدهم بتابعون نتائج حرب صعدة بقلق ولهفة أشد من قلقهم ولهفتهم على نتائج سوق الأسهم والأرصدة حيث يضعون أموالهم. إلى هنا لا توجد مشكلة مع الدكتور عادل شجاع فإذا لم يتم حسم هذه المواجهة في صعدة بما يتفق مع الشرع الذي يستمد قوته من الدين ومع الدستور والقانون ومع العقل والمنطق فسوف نجد أنفسنا أضحوكة أمام كل شعوب العالم. وليس صحيحاً ما ذكره الدكتور عادل في أن كل الحركات في العالم قد تولدت من مدارس تحفيظ القرآن.. فالقرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وكتاب الله لا يدعو إلى الفرقة ولا إلى الحقد أو الكراهية.. ولا بد أن نعلم أن القرآن يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.. وينبذ العنف وإشعال الحرائق ونهب الأموال وهتك الأعراض وتدمير العمران وإشاعة الخوف والفوضى في البلاد. فانتشار مدارس تحفيظ القرآن شرف لا تستطيع أن تدعيه وزارة الأوقاف فهي أبعد ما تكون عن هذه الاهتمامات.. ولو فعلت لاستحقت أرفع الدرجات والأوسمة. يا أستاذ عادل - حفظك الله - العيب ليس في القرآن ولا في معانيه وأحكامه لكن الخطأ يكمن في من يدرسونه وهم بعيدون عن فهم الحد الأدنى من علومه.. فالقرآن الكريم ليس مجرد نصوص تتلى وبياناً وسحراً وإعجازاً.. بل هو أجلّ من ذلك وأعظم.. فلو أن المتخاصمين احتكموا إليه.. ما انطلقت رصاصة ولا طار صاروخ لا في صعدة ولا في الضالع أو أي بقعة يمنية.. المشكلة يا أستاذ عادل ليس في القرآن وإنما هي في المزاج وهوى النفس.. في التربية الخاطئة وفي التعبئة الخبيثة وفي التدخلات الخارجية التي وجدت شعباً جاهلاً متخلفاً، فقيراً ومريضاً وعاطلاً عن العمل.. فجاءت فئات ضالة مغرضة فدعت جماعة من هؤلاء فاستجابوا لما معها من إغراء فاشترت الكثيرين منهم بثمن بخس دراهم معدودة.. فلماذا نغلق مدارس تحفيظ القرآن في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى كتاب الله ليحكم بين الناس فيما شجر بينهم من خلافات وحاش أن يخطر على بال الدكتور شجاع أن المدارس والمعاهد الدينية هي التي تقف خلف الحراك السياسي في المحافظات الجنوبية أيضاً فالذين يشعلون الفتن هناك يتلقون تعليماتهم من قيادات خارج اليمن قد لا يُحسن بعض زعمائهم قراءة سورة الفاتحة، لذلك فالكثيرون من زعماء الحراك السياسي يعتبرون القرآن رجعية وتخلفاً ومنافياً لما تعلموه من مبادئ وقيم وأخلاق.. ولو أننا أخذنا برأي الذين ينادون بإغلاق مدارس تحفيظ القرآن فماذا نكون قد أبقينا للمبشرين الانجلوفرانسيكان الدوليين الذين ترعاهم الماسونية والصهيونية والرهبان والقساوسة المجندون لهذا الغرض؟ ماذا نكون قد أبقينا لمخططات الصهيونية المسيحية التي يرعاها المستر بوش «الابن» فنحن إن فعلنا ذلك نكون قد قطعنا أرزاق هذا الجيش العرمرم الذين يعتبرون إغلاق مدارس تحفيظ القرآن واجباً مقدساً.. فما أشد غبطتهم وفرحهم بنا حينذاك!!! لكن معاشاتهم سوف تطير منهم.. فأين ستذهب حينذاك؟!