لم تعد الحقيقة هي الهدف في وسائل الإعلام المختلفة.. الحقيقة والمصداقية ومفردات أخرى من هذا الطراز لم تعد سوى مفردات إعلانية ومجرد كلام يجتره البعض كلما اقتضى الحال. العلة الكبرى في كل ما يحدث من معاداة للحقيقة وإسقاطها من عنوان رسالة الإعلام هو الكذب والتوظيف السيئ للأدوات الإعلامية لخدمة أهداف تقف في المكان المستور بحيث لايمكن رؤيتها بسهولة، ثم جاءت السياسة لتشرّع للكذب وتشرّع لإثارة الفتنة بأنواعها وتوظف الأحداث وتُنقل الأخبار بصورة مغلوطة وكاذبة استناداً لفتوى السياسة. في ظل مناخات الحرية في الدول التي تشهد مناخات وطقوساً من هذا النوع توظف وسائل الإعلام المتاحة لصالح فكرة المالك أو الناشر شخصاً كان أو جماعة أو حزباً ولا ذكر للحقيقة ولا احترام لها أمام رأي المالك وتُستخدم كل براعات التضليل والخداع لتقديم ذلك الرأي وفي أغلب الأحوال لا يُحترم عقل القارئ أو المشاهد أو المستمع. والأمر لايقتصر على الإعلانات التجارية لمنتجات يعلم القائمون على الوسيلة الإعلامية أنها تقدم المنتج على غير حقيقته وفيها الكثير من خداع المستهلك ومع كل هذا تمر طالما هي مدفوعة الأجر، لأن الربح هو القصد عند الطرفين، وغير هذا الجانب ثمة جوانب أخطر من مجرد تناول منتجات فاسدة أو مليئة بالسموم استناداً وثقة بالإعلان عنها في أكثر من وسيلة إعلامية وإعلانية، وتلك الجوانب هي التي تستهدف من خلالها الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها عقل الإنسان وفكره وعواطفه وتوجه قناعاته في كل ما يحدث حوله وللأسف يجري هذا كله تحت لافتة الحقيقة التي لم يبق منها سوى الاسم فقط بينما الشكل والمضمون كله كذب وخداع وتوظيف سياسي للأحداث والأخبار. ثم إن الفتنة والكراهية وسلوك الإجرام وأشياء أخرى يجري تقديمها على أطباق الحقيقة للقارئ أو المشاهد مع أشياء من مهارات تستند لعلم النفس وعلم الاجتماع أحياناً ضماناً لوصول الرسالة بالطريقة المطلوبة وللفئات المستهدفة وبالطبع كل هذا يحدث دون اعتبار للحقيقة وللصدق وللقيم والأخلاق النبيلة بصورة عامة.. على هذا الأساس نستطيع التأكيد أن الإعلام بصفة عامة إلاّ النادر القليل أصبح أداة من أدوات السياسة محلياً أو دولياً فالحال من بعضه والعالم قرية واحدة والعولمة سيدة العالم وفي ظل الفضاء المفتوح فالقنوات الفضائية تلعب دوراً أساسياً مهماً في تسويق الكذب وخداع الناس وتوجيه قناعاتهم في كثير من القضايا وتمرير المواقف السياسية وتصفية الحسابات من هذا النوع وبسهولة فالشاشة تجمع الناس والرأي يصل إلى كل بيت ومن لم يسمع أو يشاهد مباشرة تبقى الفرصة متاحة في الإعادة والبقية على المجالس الخاصة التي تناقش الآراء وتعيد اجترارها ولا عزاء سوى للحقيقة ذاتها التي وجدت نفسها شعاراً وضاعت عن تفاصيل المشاهد والأحداث. ومايحدث في ظل تعدد القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة بما يشمل الآراء المتناقضة والمتصادمة والمختلفة إلى حد الصراع والحرب فإن النتيجة النهائية هي أن ذلك التناقض والاختلاف ينعكس على الجميع وفي كل شيء ويصبح المجتمع صغيره وكبيره داخل دائرة التناقض والصراع والسبب الأول والمباشر هو غياب الحقيقة والصدق والتمرد عليهما لأسباب مرضية أحياناً وسياسية أحياناً أخرى ومن يتابع الصحف والقنوات الفضائية يدرك تفاصيل المعركة الحاصلة فعلاً.