هلع غريب و مثير يعم شتى بقاع الأرض في سابقة لم تعرف لها البشرية مثيلاً، إلا قبل قرن تقريباً حين اجتاح الطاعون كل البلدان، ودخل حتى اليمن عام 1916م.. غير أن الطاعون دفع الناس إلى محاريب المساجد والكنائس والمعابد لتستقوي بالله عليه، بينما انفلونزا الجنازير دفعت بالناس إلى خارج المحاريب، وإلى حتى مقاطعة حج بيت الله الحرام، لتسجل سابقة خطيرة في تاريخ البشرية. بعض الدول اتخذت قراراً رسمياً في تأجيل موسم الحج، وبعض آخر قالتها على استحياء وأسدت النصح فقط مع حملة تهويل إعلامية .. وهذا التهويل الذي لم تبخل عليه الأقلام بفنون الكتابة الاحترافية، ترجمت بعض الحكومات تأثرها به بقرارات لتأجيل العام الدراسي، أو إغلاق مدارس ودور سينما ومسارح، وتأجيل مهرجانات وأنشطة اعتادت تنفيذها دورياً.. وكل ذلك لا يحدث إلا في العالم العربي الإسلامي.!! عندما راجعنا البيانات الرسمية الأولى التي أعلنتها الدول بشأن دخول فيروس انفلونزا الخنازير أراضيها وجدناها جميعاً- بلا استثناء - تقول إن المصاب قادم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبما تمثل إجماعاً دولياً على أن الولاياتالمتحدة هي المصدر الرئيسي للفيروس - إن لم يكن وكيله الحصري - ومع هذا لا يسود أمريكا أي هلع من تفشي الوباء، لأن السلطات الصحية أكدت لمواطنيها بأن الفيروس أضعف وأقل خطراً من فيروس الانفلونزا العادية، وأن معدل الوفيات الناتجة عن الانفلونزا العادية أكثر بكثير من وفيات انفلونزا الخنازير. الغريب في الأمر أن يترك عالمنا الإسلامي كل شيء ويتمسك بالحج والتعليم، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، وبدلاً من أن يقود حملات التوعية الوطنية للناس كافة حول طرق الوقاية، نجده يركز حملاته على الترهيب من حج بيت الله الحرام، ومن ارسال الصغار إلى المدارس، حتى بلغ الأمر في بعض البلدان أن تلغي صلاة الجماعة في بعض مساجدها، وتصلي فرادى، كما لو أن المسجد هو الوسيلة الوحيدة لانتقال العدوى. في اليمن عزف اليمنيون هذا العام عن التسجيل للحج في الوقت الذي كانت الأوقاف كل عام تتوسل سلطات المملكة لزيادة حصتها.. لكن من المؤسف أن الناس لم تعلم بعد أن سلطات المملكة اتخذت كافة الاحتياطات الصحية التي تمنع من انتشار عدوى فيروس انفلونزا الخنازير، وجهزت لقاحات للحجاج يأخذونها حال تطأ أقدامهم أراضي المملكة، كما أعدت مراكز صحية واسعة لرعاية كل من تظهر عليه أعراض المرض خلال تأديته مناسك الحج. ومع كل هذه الاستعدادات والاحتياطات مازال التهويل قائماً لترهيب الناس من أداء فريضة الحج، بينما مواطنو البلد المصدر للفيروس - الولاياتالمتحدة - يعيشون حياتهم بصورة طبيعية، ويمارسون أنشطتهم المجتمعية بلا خوف من عدوى، أو موت فالعلاج لهذا الوباء متوفر حتى في بلداننا وبإمكان الجميع الحصول علىه، كما الحصول على حبوب الباندول. إن مسئولية جميع الجهات الرسمية والإعلامية والدينية أن تلتفت إلى خطورة التهويل، وأبعاد تركيز الحملات المنظمة على حج بيت الله الحرام والتعليم في المدارس.. وان تطمئن الناس ليمارسوا حياتهم الطبيعية وفي نفس الوقت تستغل المساجد والمدارس لحملات التوعية في أساليب الوقاية والعلاج.. وإلا فإننا كل عام سنواجه فيروساً جديداً.. وربما لن نجد في بيت الله غير المؤذن فتحل علينا اللعنات.