تعتبر الأنشطة البيئية هي الأنشطة الغائبة في الوعي الاجتماعي والذوقي في بلادنا. وأقصد بالأنشطة البيئية كل مايتعلق بجمال البيئة ونظافتها والوقاية من توالد الحشرات الضارة والمزعجة للإنسان وهي من المهام الأساسية للمجالس المحلية وأبرز وظائفها. في الأمس القريب كانت المجالس المحلية أو التعاونيات تقوم بحملات دورية للتشجير وتنظيف الشوارع والأحياء والتجمعات السكانية، والقيام بحملات مستمرة لمكافحة الأوبئة والحشرات المضرة بالإنسان والمقلقة له. والمجالس المحلية الحالية حصرت نفسها في قضايا تحصيل بعض مواردها ومطاردة الباعة المتجولين، وأهملت الأهم، تحديداً القضايا المتعلقة بمكافحة الأوبئة والحشرات الضارة، وأصبحت هذه القضايا مجرد أمنيات لا أكثر ومهاماً غير قابلة للتنفيذ. فالشجرة مثلاً لم تعد تدخل ضمن دائرة اهتمامات المجالس المحلية وإن وجدت فهي عبارة عن مهام ضمن خططهم غير قابلة للتنفيذ وبالمثل تربية الزهور والورود والنباتات الجميلة والطيبة التي كانت إحدى مفردات وعي الأسرة اليمنية في الماضي واهتماماتها اليومية، وربما أن الظروف المعيشية المعقدة، وتدني دخل الفرد هما السبب الأبرز في تغيب هذه الأنشطة من اهتمامات الناس، وإهمالها أو تجاهلها من قبل المجالس المحلية نظراً لانصباب اهتماماتها بتوفير مشاريع البنية التحتية هذا ناهيك عن كون الطبيعة بكل مكوناتها الجمالية قد أصبحت مقلباً للنفايات وانتشار مخلفات الأشياء المستهلكة من علب، وقطع بلاستيكية، وأكياس غير قابلة للتحلل، وقاتلة للتربة، وهي مانشاهدها عالقة على الأشجار.. أو متطايرة في الهواء، أو متكدسة هنا وهناك في أكوام مشينة لاسيما في هذه الأيام الممطرة، وعلى وجه الخصوص في الأسواق وأماكن تجمعات الناس. هذه القضايا وغيرها كانت سبباً في انتشار الأمراض، وتوالد الحشرات الضارة مثل البعوض «النامس» والذباب وغيرها.. البعوض تحديداً أصبح خطراً يهدد حياة السكان لاسيما في الأعبوس التي تعتبر منطقة موبوءة بكل المعايير والمقاييس، حيث تحول «النامس» فيها إلى آفة تقلق الناس، وتصيبهم بحالة من الكآبة والخوف والهلع، فتشاهد كل فرد في الأسرة في انشغال دائم به.. في محاولة لصده وحك أماكن لسعاته المحرقة. والغريب في الأمر أن حشرة البعوض التي كان يعرفها الناس في فصل الصيف فقط.. أصبحت ضيفاً دائماً في كل الفصول والأوقات، وكانت هذه الحشرة مزعجة ليلاً.. فأصبحت أيضاً مزعجة نهاراً.. الأمر الذي أوجد حالة من الهلع والخوف والقلق وقد تم التواصل سابقاً مع المعنيين بالأمر في محافظة تعز، والذين ابدوا اهتماماً وتفاعلاً مع الطلب ووجهوا بإخراج لجنة لمعرفة هذه الآفة وخطرها وبالفعل طلبت اللجنة تحديداً أربعة منازل لزيارتها عشوائياً وفي أول منزل وجد الفريق كتلاً وأكواماً من البعوض وقال: هذا وباء فعلاً لابد من مكافحته، وبعد أن عاد الفريق إلى مركز المحافظة مكتفياً بهذا المنزل فقط، عاد المواطنون لمتابعة نتائج هذه الزيارة التي ربما ستحمل لهم خيراً ليفاجؤوا بأن الجهات المعنية بالمحافظة تبلغهم بأن هذا النوع من البعوض غير مضر، وهم لايملكون أية إمكانية لمقاومته.. وظل الناس يلحون على أهمية وضع حد لهذه الآفة التي أصبحت مزعجة.. أكدوا لهم فعلاً بأنهم لايملكون شيئاً وكل مالديهم هو مجموعة من الأقراص المضادة للملاريا ولكنها منتهية الصلاحية، وإذا أرادوا منها سيعطونهم. هذه العملية كانت قبل أكثر من عامين فكيف يكون الوضع حالياً ولم تعد المكافحة الفردية التي يقوم بها السكان يومياً نافعة وهي غير مجدية فالبعوض اكتسب مناعة كبيرة وحصانة ولم تعد المبيدات بمختلف أشكالها وأنواعها وفاعليتها مفيدة بل ربما تجعله أكثر نشاطاً وحيوية واستئساداً فنجده نشيطاً ومكثفاً في كل الأوقات والأمكنة. والأغرب في الأمر هو رد المعنيين بالمحافظة.. وإذا كان البعوض فعلاً ليس من النوع الخطير لكنه يسبب ازعاجاً للناس يسبب جروحاً وتشوهات كثيرة بسبب الهرش «الحك» المتواصل. فالبعوض بهذا الحجم وبهذه الكثافة وبهذه الشراسة يحتاج لحملة واسعة من قبل مختلف الجهات. فالجهات المعنية بحماية البيئة من التلوث، والمعنية بمكافحة الملاريا والحشرات الضارة.. وكذا المجلس المحلي للمديرية جميعهم معنيون بمكافحة هذا الوباء الذي لم يعرف له سبب. فالمجاري لم تعد مكشوفة كما كانت في الماضي، والمياه الراكدة أصبحت أيضاً معدومة وخزانات المياه وهي المصدر الأساسي للشرب مغلقة أيضاً. فالعملية تحتاج إلى تعامل كل الجهات مع الموضوع بجدية ومسئولية.. إنها أمام تحدٍ وبائي أكثر خطراً وإيلاماً للناس من الجراد وغيرها لأن البعوض يستهدف الإنسان مباشرة.