استنفد العالم جهوداً عظيمة لتعزيز الحوار بين الحضارات ، وردم الفجوة بين الأمم ، والتي اسهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تعميقها ،وإذكاء الكراهية للعالم الإسلامي.. إلا أننا ورغم مضي أعوام على تلك الأحداث والجهود الدولية نعود بمجتمعاتنا إلى نقطة الصفر ،وقد أصبحت الكراهية على مستوى مذاهب الدين الواحد ،وليس بين الأديان فقط.. في بريطانيا قلق كبير لدى السلطات الحكومية والمؤسسات الدينية بشأن تنامي الكراهية للمسلمين ،لذلك بادرت السلطات المحلية إلى زيارة بعض المساجد.. ومشاركة الجاليات الإسلامية مآدب الإفطار ، بل إن إحدى الكنائس اقامت مأدبة افطار ودعت إليها رجال دين مسلمين ،ونصارى ، ويهود في سابقة تاريخية تترجم مدى قلق العالم من نزاع الحضارات.. لكن تلك المبادرات لم تجدِ نفعاً مع الجماعات المتطرفة ،إذ شهدت العاصمة لندن في يوم السبت تظاهرة مناهضة للإسلام استفزّت الجاليات المسلمة الذين لم يترددوا في الخروج بالمئات إلى الشوارع والتصدي للمتظاهرين المتشددين والاشتباك معهم ، ثم تدخّل الشرطة واعتقال عشرة من المتظاهرين. في عالمنا الإسلامي لا وجود لمثل تلك التظاهرات المناهضة للأديان.. وحتى التنظيمات المتشددة التي كانت تدعو لقتل أبناء الأديان الأخرى لم يعد يسمع لها صوت.. والأمر لايعود إلى الحكومات الإسلامية ودورها في الترويج لثقافة حوار الحضارات ،بل لأن هذه الجماعات تفرغت للفتنة المذهبية داخل الدين الإسلامي نفسه ، وبعضها تحول إلى «مافيا» إرهابية تنفذ عملياتها لحساب أي جهة تتعاقد معها ، مقابل ملايين الدولارات. في اليمن ظهرت جماعة الحوثي التي ترفع شعار «الموت لأمريكا وإسرائيل» ومنذ ظهورها وحتى اليوم لم تجرؤ على «صفع» امريكي واحد أو إسرائيلي ، ولا حتى لعنهم وشتمهم ، لكنها قتلت مئات المسلمين بينهم الأطفال والنساء وجميعهم من أبناء نفس الوطن اليمني.. لعل المفارقة الأكثر غرابة وإثارة للدهشة في موضوع الحوثيين هي أن زعيم التمرد المدعو يحيى الحوثي مقيم في ألمانيا ،وأن ميليشياته خطفت رعايا ألمان وقتلت عدداً منهم.. وأن ألمانيا لديها قانون يجرم بعقوبات متشددة الدعوات المعادية للسامية التي تعيد للذاكرة البشرية صور الهولوكوست النازي بحق اليهود ، في الوقت الذي طور الحوثي شعاره من «الموت لإسرائيل» إلى «الموت لليهود» ليعمم ثقافة قتل اليهود على أساس ديني وليس على أساس الدولة المحتلة والنزعة الصهيونية التي يعادي المسلمون على أساسها إسرائيل. ومن داخل مقر إقامته في المانيا اصدر الحوثي أوامره بالاعتداء على يهود اليمن ونهب ممتلكاتهم وأموالهم وطردهم من بيوتهم ومناطقهم.. والسؤال الذي نطرحه هنا: ياترى هل مازالت النزعة النازية قائمة لدى بعض الساسة الألمان ، ويحاولون ترجمتها من خلال احتضان ودعم التنظيمات المعادية لليهود في العالم الإسلامي؟ أم أن الغرب يسعى لإذكاء الفتن المذهبية للتخلص من الكراهية الموجهة ضده !؟ وفي كلا الحالتين لم يسلم الألمان من تذوق نفس السم الذي يصدرونه لمجتمعاتنا ، فرعاياهم مازالوا مجهولي المصير ، والحوثي مازال في أحضانهم.