يأنس البعض منّا - أحياناً - إلى ساعات الدِّعة والفتور والاكتفاء بما تجود به اللحظة الراهنة من عطايا، لتستمر بعض هذه الذوات في الانغماس في هذه المندوحة دون محاولة إلى التوقف برهةً للتقويم والتقييم للمآلات التي تتجه إليها والمواقف التي تتخذها وتعبر عنها بأي طريقة ووفق أي وسيلة. مثل هذه الذوات التي استسلمت لالتهام التفكير عن بعد ، إن جاز التعبير، والتموضع حول هذه الإيحاءات التي تتخذها في سياق حسابات المصلحة الآنية، لا تدرك، وهي تمارس هذا الفعل وذلك الدور، أنها قد نصبت لذاتها الصغيرة شراكاً لا تستطيع أن تنفك منه في لحظة قادمة، فبعض البعض يضبط شوكة ميزانه على هذا المسؤول أو ذاك، خاصة، في ظل غياب المؤسسية والتراتبية العملية في الكثير من مرافقنا، وهيمنة المدير أو رئيس مجلس الإدارة على قصعة العطايا، الأمر الذي يدفع بهذه النماذج إلى تفعيل حاسة الشم المكتبية، وهم خير من يجيدها، بعد أن خبروا ذلك في مراحلهم السابقة، لمعرفة كنه هذا المسؤول، والانطلاق بقوة صوب تبني أفكاره ورواءه وتوجهاته، لتستمر دوامة المصلحة سارية دون حاجة إلى وقفة جادة تضعها في محك حقيقي لتقديم مصلحة المهنة والمؤسسة التي تنتمي إليها، فهذه الغايات مقصية - تماماً - عن دائرة التفكير والاهتمام، ولأنها تجيد العزف على لحن تضخيم الذات القادمة فهي حفية بالبقاء والترقّي في فرص التغيير جميعها، أما بعض البعض الآخر فلديه من تراكم الحيل والمخاتلة وأساليب الخداع والمراوحة ما يحميه من المساءلة، أو الشروع فيها. من هنا ما أحوجنا، اليوم قبل الغد، إلى تغيير حقيقي في نمطية التفكير لدى النخب المسئولة أولاً، التي تأنس إلى مثل هذه السلوكيات وتقربها من دائرتها الصغيرة، فتغدو مقصية للآخرين الذين يقفون بين مطرقة المسؤول وسندان المقربين المحظيين، لتستمر رحلة الغيّ لهذه المؤسسة أو هذا المرفق أو ذاك، دون أمل في التغيير المثمر، المفضي إلى تحجيم الاخلالات وسد العيوب، الأمر الذي يفضي إلى انتظار أملِ سرابٍ يحسبه الظمآن ماءً وما هو بالماء. لذا تتناسل المشكلات وتتعمق الاختلالات لبعض مؤسساتنا ومرافقنا التي يهيمن عليها ذلك الأفق المسدود الذي لا يشي بتغيير يرمي إلى المعالجات الناجعة في جسد منظومة العمل المؤسسي ويوقعها في شبكة التآكل اليومي، التي يجد فيها ذلك البعض فرصة لانطلاقة جديدة في سياقات أخرى، وكفى!.