في حديث تلفزيوني عابر مع فضائية «الحرة» الأمريكية احترت في ذلك السؤال المباشر الباحث عن جواب ناجز عن كيفية مواجهة الارهاب ، وبدا لي السؤال مقيماً في العارض لا الجوهر، وفي النتيجة لا السبب.. والشاهد أن الإرهاب بأشكاله الظاهرة والمستترة تعبير أقصى عن أزمة عميقة تتجاوز الظاهرة الى آماد اكبر وأشمل، والمعروف في تاريخنا المعاصر أن الجماعات الجهادية الشبابية كانت قد انتعشت عطفاً على حضورها الافغاني عندما كان الدعم المقدم لهذه الجماعات مجيراً على الهدف الأمريكي القاضي بالإجهاز على النظام الافغاني الموالي لموسكو توطئة لإضعاف الاتحاد السوفيتي وضربه في مقتل، وبالمقابل كان الشباب الذين تقاطروا من مختلف البلدان العربية يتوهمون أنهم انما يحاربون الشيوعية، وأن الظفر العسكري هناك سيوازي تعميم التعليم السياسي الديني، غير انهم اكتشفوا الحقيقة حال عودتهم إلى بلدانهم، وأن مافعلوه لم يتعدّ المطلوب امريكياً وغربياً، وإنهم انما حاربوا بالنيابة، وعليهم أن يعودوا الآن إلى بيت الطاعة. بالترافق مع سيناريو العودة غير المظفرة للجماعات الجهادية المقيمة في طهرانية الزمن الراشدي وأوهام التعليم السياسي الديني كانت بيئة البلدان العربية قد أنجزت كامل المقدمات المساعدة على ازدهار وتغوّل التطرف، فالمظالم المنتشرة، والفساد المستشري، والمراتبية في المواطنة، والخلل الهيكلي في الاقتصاد، والمفارقة الأساسية للعصر واستتباعاته الجوهرية .. كل هذه المقدمات سمحت بازدهار وانتشار التطرف حتى وقعت الواقعة، وجاءت أحداث سبتمبر لتشكل حصان طروادة لمشروع اليمين الأمريكي الذي مازال يعيد انتاج خرائبه غارقاً في ذات المتاهة. لقد بدأت حقبة جديدة في تاريخ الوحشية الكونية المغلفة بأردية مخملية زائفة، فالديمقراطية الموعودة قدّمت مشروعاً لحروب الطوائف المتعصبة، والجنة الرأسمالية تحولت إلى بؤس يتشار ك فيه الناهب والمنهوب، والطبخة المزيفة للنموذج الأمريكي الناعم أزكمت الأنوف . مع فضائية « الحرة»