في ركن مظلم نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وقف شابان يتهامسان بدا من كلامهما أن الأول بائع والثاني مشترِ، وبدأت المفاوضة في السعر، فقال الأول: تسعمائة وأصرّ الثاني على سبعمائة للحبة الواحدة ثم اتفقا على ثمانمائة للحبة الواحدة. أخرج البائع شريط أقراص يشبه حبات الدواء واقتطع واحدة من ذلك الشريط وسلّم واستلم. سألت مرافقي: لِمَ هذه السرية والمبيع دواء ويمكن أن يكون موجوداً في الصيدلية ؟ بالطبع كنت أظن أنه يبيع منشطات كالفياجرا وغيرها. قال رفيقي وهو يبتسم هؤلاء يتبايعون في المخدرات ! كنت حتى عهد قريب أعتقد أن القات قد قام بحماية بلدنا من المخدرات، وأن اليمنيين لا يمكن أن يلجأوا إلى هذا السم الرهيب، باعتبار أن إدمان القات أخف بكثير من إدمان المخدرات.. غير أن هذه المعلومات أصبحت بالية بل لقد فقدت صحتها مع تزايد المهربات من حبوب الكيف عبر بلادنا وإليها . قبل أيام حكمت محكمة يمنية على إيراني وباكستاني بالإعدام لتهريب المخدرات أو المتاجرة فيها وترويجها وهو حكم فيه من الردع ما يكفي وزيادة، ولكن أكثر المتعاطين لهذه الحبوب لايقعون تحت طائلة القانون وهو أمر يحتاج إلى تكثيف الجهود لاحتواء هذه الظاهرة والقضاء عليها. فقد بلغ خطرها إلى حد الوصول إلى المدارس ولكم أن تتخيلوا عندما يتلقفها الطلاب والطالبات .. فأية نتائج مأساوية ستحيق بالوطن عندما ينطلق المدمنون في الشوارع لارتكاب أخطر الجرائم من أجل حبة للهلوسة, والكثيرون يعلمون ما يحدث في البلدان التي ابتليت بمثل هذا البلاء؟. لقد كانت الصين أكبر بلدٍ تعاني من المخدرات وخاصة الأفيون الذي كان يزرع فيها بكميات تجارية كبيرة وقد أدمن الصينيون على هذه النبتة حتى كانت لا تخلو أسرة من مدمن. وجاءت الثورة الشعبية التي قادها (ماو تسي تونج وتشوان لاي) لتجتث هذا البلاء وبكل قسوة - أو هكذا بدت في البداية - فقد كانت أحكام الإعدام تطال البائع والشاري والمزارع وما هي إلا فترة قصيرة حتى اختفت الظاهرة وأصبحت الصين أحد أكبر الاقتصاديات في العالم، ولكن هذه القفزة الكبيرة التي حولت الصين إلى دولة كبرى تغزو الفضاء بكل جدارة لم تأتِ بالإعدام وحده وإنما جاءت عندما وضعت الحكومة الصينية البدائل للبطالة والإدمان وحولت كل أسرة في الصين إلى أسرة منتجة كما ركزت الحكومة على التعليم الذي يعتبر حجر الزاوية في أي مشروع نهضوي. ونحن - والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه - نعاني من أزمات متلاحقة أكثرها من صنع أيدينا، فتدهور التعليم نحن المسئولين عنه حين قبلنا بالأفكار الخارجية تحت مبرر التطوير، والفساد الذي كلفنا خسائر في الجانب الاقتصادي. ونظراً لرغبة الكثيرين في الربح وانعدام مفهوم الحلال والحرام لدى كثير من الناس منهم من يصلي الصبح في الصف الأول .. نظراً لكل ذلك أصبحت المتاجرة في كل شيء وربما في المحرمات مستحبة عند البعض، فهناك من يورد أغذية كلاب وقطط وتباع لبني آدم وهناك من يغش في البضائع التي لا تُعّمر من ماركة (ساعة وقدك عندي) وحتى صناعة الجنابي (الخناجر) اليمنية الأصيلة لم تعد كذلك، فالصيفاني الصيني يملأ البلاد ولا تستطيع التفريق بين الأصلي والتقليد إلا بعد حين ويكون الوقت متأخراً جداً. إن مساوئ الفساد لا تقف عند حد وهو سيأتي لا محالة على كل شيء وربما يصل القات الصيني قريباً بأنواعه «كالصبريتنج والجدة تينج والبقمينج» وغيرها وغيرها. وعودة إلى المخدرات وحبوب الهلوسة التي بدأت تنتشر، إذا لم تتخذ الحكومة اجراءات صارمة كالحُكمين السابقين وتبدأ بالرؤوس التي تتاجر بكل شيء من السلاح إلى الحبوب، فإننا سنجد أنفسنا بين آثار مدمرة أهم معالمها زيادة البطالة, وزيادة معدل الجريمة, انتشار الأمراض الخطيرة، انتشار وزيادة عدد الحالات النفسية. إن الأمر جدّ خطير ويحتاج إلى تكاتف الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والناس جميعاً ويكفينا ما نعانيه فلم تعد البلد تتحمل ولا المواطن.