عقب مباراة السودان بين الشقيقين مصر والجزائر وما تبعها من أحداث وصلت إلى استدعاء سفراء البلدين كانت مبادرة من حاكم دبي لجمع الفريقين في مباراة ودية تعيد حبل الود بين الأشقاء ، إلا أن الأقدار أبت إلا أن تجمع الفريقين في دور نصف النهائي من كأس أفريقيا. كان المسئولون عن الرياضة في البلدين يتمنون ألاّ تجمع القرعة الفريقين في مجموعة واحدة ولا يلتقيان في الأدوار اللاحقة خوفاً من تكرار ما حدث في مباراتي القاهرة والسودان، كيف ذاب الجليد ؟ وكيف تحولت نبرات العداء إلى ود ؟ وكيف دارت المباراة داخل المستطيل الأخضر وفي المدرجات وفي الشارع المصري والجزائري؟ اتصال بين وزيري الخارجية للبلدين ولقاء وزير الإعلام المصري مع وسائل الإعلام المصرية وآخر بين وزير الإعلام الجزائري ووسائل الإعلام الجزائرية وضعت الأمور في طريقها الصحيح ونزعت الفتيل الذي أشعله إعلام الإثارة والفتن. الشحن الإعلامي الذي سبق مباراة القاهرة والسودان هو من ساهم في إيصال الأمور إلى تلك الدرجة من الغليان والمسئولية الإعلامية (رغم بعض الهفوات ) ومن أوصل مباراة أنجولا إلى بر الأمان، وجعل من الشارع الرياضي في البلدين يتحدث بهدوء ويعبر عن مشاعر الأخوة أكثر من تعبيره عن أهمية الفوز في المباراة. لم يكتفِ إعلام البلدين في المرة السابقة بتهييج وإثارة الشارع عبر استخدام المانشتات والعناوين والتعبيرات الساخنة بل إنه تمادى إلى نشر أخبار كاذبة ومفبركة زادت من حالة الغليان في البلدين. هذه التجربة تكشف بجلاء خطورة حرية الباب المخلوع للصحافة وخطورة التعامل غير المسئول من قبل المؤسسات الإعلامية والصحفية مع الأحداث والقضايا الوطنية أو القومية، والعديد من التجارب على المستوى القومي تؤكد كيف تأزمت العلاقات بين بعض الدول العربية بسبب الإعلام والأخبار الملفقة والتسريبات الكاذبة التي تعمد نشرها. ينادي الكثير من المشتغلين في الحقل الإعلامي بمزيد من الحريات الصحفية ويعملون على المقارنة بين حرية الصحافة والإعلام الغربية وحريتها في الوطن العربي دون البحث والمقارنة في المهنية التي يعمل بها الصحفي الغربي والتجرد من الذاتية في نقل الأخبار أو في التحليلات التي قد تأتي مخالفة لقناعاتهم ورغباتهم ( بغض النظر عن اتفاقها مع بعضها أو استهداف بعضها الآخر لمصالحنا). الصحفي العربي وهو ينقل الخبر يضفي عليه رغبته ومزاجه فكيف لنا بالتحليل والمقال .. الخلط بين المهنية والذاتية في العمل الصحفي مأساة العمل الإعلامي في اليمن والوطن العربي وخدمة المصالح الشخصية لفرد أو حزب على حساب القضايا الوطنية كارثة، وأذكر هنا حديثاً لأحد المحسوبين على الصحافة وهو يتحدث بفخر كيف كان يستغل ازدحام السوق في إحدى المناطق ويأتي بشخصين يرفعون لافتة ضد أحد المسئولين ويقوم بالتصوير مما يظهر الصورة وكان الآلاف يتظاهرون، وقس على ذلك بقية المفبركات الصحفية التي نشرتها الصحف. أحد الزملاء الصحفيين في الضالع قال في حديث جمعنا به وبعدد من الصحفيين: إن الصحافة - وهو بالتحديد وصحفيي الضالع - هم من صنعوا ما يسمى بالحراك وكيف جعلوا من العشرة مائة والمائة ألفاً وجعلوا من أشخاص لا يفقهون أبجديات العمل السياسي قادة ومناضلين وأكمل حديثه جعلناهم نموراً لكن من ورق!! درس مصر والجزائر يؤكد أن الصحافة غير المسئولة خطر على المجتمع وخطر على العلاقات بين الأحزاب والدول وحتى يعي الصحفيون العرب مسئولياتهم الوطنية والقومية ويتجردوا من مصالحهم الذاتية والسياسية يجب تفعيل القوانين وحماية المجتمع من هذا السلوك.