بعد مخاض عسير وضعت المعركة «المصرية - الجزائرية» أوزارها وطارت العصافير الجزائرية بأرزاقها إلى جنوب أفريقيا وعاد الفراعنة إلى المحروسة ليبدأوا في إعادة ترتيب صفوفهم استعداداً للدفاع عن لقبهم الافريقي في يناير 2010م.هكذا هي الرياضة كاسب وخاسر وهكذا هو ميدان الرياضة تحكمه أخلاق رياضية أياً كانت نتيجة المباراة أو حساسيتها تبقى في إطار التنافس الرياضي داخل المستطيل الأخضر وإذا امتدت لا تجاوز محيط الملعب الرياضي ولا تجاوز المهووسين بالكرة. ما رافق مباراتي مصر والجزائر سواء في القاهرة أو في أم درمان وما بينهما يضع الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي أوصلت مباراة كرة القدم إلى هذه الدرجة من التأثير المباشر على طبيعة العلاقة بين شعبين شقيقين تربطهما مواقف تاريخية متبادلة عمقت روح التآخي والتلاحم.. من المسئول عن تغييب صوت العقل واستبداله بصوت العنف؟ من المسئول عن تهشيم رؤوس لاعبي الجزائر ورمي الباص الذي يقلهم وسط القاهرة؟ من المسئول عن مهاجمة مكتب الطيران المصري في الجزائر؟ من المسئول عن مهاجمة العمال المصريين ومحاصرتهم في أماكن عملهم في الجزائر ؟ من منح الصحافة الإسرائيلية المجال للتدخل في قضايا عربية ومطالبتها منتخبي مصر والجزائر الهدوء وصحافة أخرى تتمنى أن تكون هناك مباراة بين حماس وفتح !! من المسئول عن تصوير هذه المباراة وكأنها معركة حربية ولأجلها حشد كل المفردات اللغوية المستخدمة في المعارك الحربية ؟ «خسرنا معركة ولم نخسر الحرب»..«جرحى وحديث عن قتلى في مجزرة القاهرة».. «ساعات الموت عند.. آل فرعون»... «اعتداءات وحشية وانتهاك حرمة النساء». العبارات السابقة هي من منشتات في الصفحة الأولى للصحف المصرية والجزائرية فكيف نقرأ هذه العبارات وكيف نقرأ العقلية العربية وتعاملها مع حرية الصحافة وكيف نسقط هذه السلوكيات على القضايا العربية الأخرى والمواقف السياسية من القضايا الخلافية داخل القطر الواحد أو بين قطر وآخر؟. هذه الأحداث التي رافقت تلك المباراة أكدت أن الباب المخلوع لحرية الصحافة مازال كبيراً وواسعاً على العقلية العربية وان هذه العقلية مازالت أسيرة لوعي وثقافة التعصب في كل القضايا ومازالت ترى في الصحافة فرصة لتصفية حساباتها مع الآخر أياً كان بدون موضوعية أو مسئولية تجاه ما يمكن ان يترتب على هذه التصرفات من عواقب على المجتمع. إذا ما دققنا في الصحف أو الفضائيات التي تناولت هذا الحدث بالاثارة فإننا سنكتشف أن وراء هذه الاثارة أشخاصاً لهم مواقف شخصية من آخرين في البلد الآخر ويعمدون إلى تصفيتها بهذه الطريقة السيئة. لا تختلف صحافة الاثارة الرياضية عن صحافة الاثارة السياسية فجميعها تتفنن في تأزيم الأوضاع واثارتها والفارق بينهما يبقى محدداً في النوايا وتتفق بأنها تسعى لتحقيق مكاسب ذاتية «سياسية - شهرة مالية» أو حزبية. حرية الصحافة بدون مسئولية وبدون ميثاق شرف صحفي وبدون قانون عبث والمقارنة بين حرية الصحافة بالمغرب وفي الوطن العربي ظالمة لاننا إذا أردنا أن نصل إلى هذا المستوى علينا تقديم مائتي مليون من الضحايا كما حدث لأوروبا في الحرب العالمية حتى ندرك معنى المسئولية الذاتية قبل المسئولية القانونية في العمل الصحفي وعندها يمكن أن تطلق الصحافة من الباب الواسع !! تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين».