حالة الاحتقان التي تسود الشارعين المصري والجزائري قبل المباراة المرتقبة بين منتخبي البلدين في كرة القدم تضع علامات تعجب واستفهام في آن واحد للعقلية العربية، وطريقة تعاطيها مع الأحداث البسيطة أو المعقدة في نسختها «العربية العربية» وطريقة تعاملها مع الأحداث في نسختها «العربية الأجنبية». خرجت الأوضع عن إطار السيطرة بفعل منتديات الإنترنت و"اليوتيوب" والتعامل غير المسئول مع الحدث من قبل بعض الصحف الرياضية والقنوات الفضائية، وحرف مباراة كرة القدم بين منتخبي البلدين عن إطارها الطبيعي، وتصويرها كمعركة حربية، واستخدام كل وسائل المنتجة والدبلجة في إبراز ذلك للمشاهد والمتصفح. لعبة كرة القدم كغيرها من الألعاب تستهدف التنافس الشريف، وإبراز مهارات اللاعبين في إمتاع الجمهور وتعزيز التواصل والتعارف بين الشعوب. ومن أجل ذلك شدد الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» على إبعاد السياسة عن المنافسات الرياضية، وزاد على ذلك منع تدخل الحكومات في شئون الاتحادات المحلية، وهو ما عدّه البعض تدخلاً في الشئون الداخلية للدول. وشدد الاتحاد الدولي العقوبات على جماهير الأندية أو لاعبيها التي تطلق هتافات عنصرية ضد الفرق المنافسة، كما أنه يعاقب كل من يستخدم رموزاً سياسية في ملابسه الرياضية أو حتى بالإشارة. المهووسون بالإثارة وجدوها فرصة سانحة لتوتير الأجواء، ودفع المباراة للخروج عن علاقة الود والحب والاحترام التي تسود بين شعبين شقيقين، فحوّلوا الساحات الإعلامية والمعرفية إلى ساحات للشتيمة والإساءة إلى الآخر. لقاء العقلاء - كما أطلق عليه - والذي عقد في الجزائر بين عقلاء الإعلام في الجزائر ومصر لا يمكنه إحداث الأثر المطلوب إذا لم تدعمه الجهات الرسمية في البلدين وتلطيف الأجواء الملبدة قبل المباراة، وتجنب كل ما يمكن أن يزيد من توتير الأجواء سواء فيما يتعلق بالتذاكر أم المدرجات أو التصريحات الرسمية للاعبين أو المدربين أو مسئولي الاتحادين المصري والجزائري. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ماذا لو كانت هذه المباراة الحاسمة بين منتخب مصر أو الجزائر مع منتخب أفريقي، هل ستأخذ كل هذه الأبعاد؟!. ليست المرة الأولى التي تخرج فيما مصر أو الجزائر من تصفيات كأس العالم على يد دول أفريقية عدّة آخرها كان خروج الفريقين في 1986م، وفي كل المباريات كانت الأوضاع في إطارها الطبيعي، والتنافس لم يتجاوز حدود الملعب والدعم الإعلامي الطبيعي لمنتخب كل بلد. الخوف أن تتكرر المشاهد العربية في «الملاعب العربية» التي تحتضن مباريات «عربية عربية» في أستاد القاهرة الدولي يوم 14 نوفمبر، وتتحول هذه المباراة إلى أزمة سياسية تنعكس على مواقف الأطراف من القضايا العربية، خصوصاً أن تجاربنا السابقة مع أي خلاف بين دولتين عربيتين ينتقل إلى تصفية هذا الخلاف على ساحة القضية الفلسطينية أو أية قضية عربية أخرى!!. إننا بحاجة إلى إعمال العقل في كل قضايانا السياسية والرياضية، والابتعاد عن مناطق الإثارة والتهييج التي تنكئ الجراح، وتزيد من حالة التمزق والشتات بين الدول العربية، والبحث عن كل ما يمكن أن يوحّد المشاعر العربية ويلملم جراح الأمة.