ربما أن آخر ما نحتاج إليه في أيامنا الحاضرة هو كسر جمود الاتكالية والسلبية في حياتنا والتخاذل واللامبالاة حول ما يدور ويعتمل في مجتمعنا، فقد أثبتت الوقائع أن الفرجة على الأعمال الصغيرة غير مجدية، بل تزيدها تفاقماً واتساعاً .. كنا قد قلنا في تناولة سابقة إن من يتجاهل وضع حد لحالات التوتر والانفعالات والتشنج الذي يسود ويزداد تصاعداً في محيطنا وواقعنا فهو مخطئ .. وهنا نقول مخطئ ألف مرة، وكما قلنا المسألة برمتها لا تحتمل المزيد من المشاحنات والمكايدات والمضي في طريق العناد والمكابرة أو امتطاء صهوة الابتزاز والمزايدة والإصرار على تغذية روح الانفصام والتعبئة الخاطئة المذمومة، وببساطة هي أكبر من أن ينظر إليها بمفهوم عاطفي سطحي عابر أو نوازع فردية أصابها الغبن والضيم ومسّتها أخطاء وممارسات تستوجب " الحلحلة " والمعالجة والتقويم. ما يعتمل في الشارع اليوم غير خافٍ وأصبح ظاهرة تعكس أوضاعاً وأسراراً غير سارة وتحمل في طياتها مخاطر مرعبة ومفزعة لا تقف عند حد التشظي والانقسام وإنما تمتد لتفريغ كل ما هو جميل ومشرق في هذه البلاد من أي محتوى ومضمون حقيقي . هذا الكلام قلناه وسنقوله اليوم وغداً، لأننا في واقع الأمر لا نصدق مع ذاتنا ولا نقيّم أوضاعنا ولا نستفيد أيضاً من دروس وعظات الحياة .. وهذا مربط الفرس، فالخطر الحقيقي الذي يداهم مجتمعنا هو هذا الخلط العجيب بين الواجب الحتمي في المراجعة الضرورية لكل آليات ووسائل التعامل في معالجة القضايا والمشكلات والتجاوزات والعثرات والمنغصات وبين الحق والالتزام بعدم السماح بالخروج عن النظام والقانون والمساس بالثوابت الوطنية أو التراجع عن خيارات الشعب ومكتسباته بوصفها ركائز أساسية جامعة يقوم عليها بنيان هذه الأمة غير خاضعة للمزاج والمساومة وحاجة الطلب والعرض ..ومتى أدركنا هذه المسائل واستوعبناها جيداً وجسدناها واقعاً في إطار الممارسة الفعلية للحياة العامة والنظر إلى المستقبل برؤية طموحة متفائلة فإن القادم لهذا الوطن سيكون لا محالة مفعماً بالخير والتطور . ولكن كيف نبرر غض النظر عن الأخطاء الفادحة والسكوت عن التجاوزات والإفراط في الإساءة للقيم الأخلاقية وزد على ذلك التهجم غير المبرر على العلماء والمثقفين والتلفظ عليهم بعبارات نابية وجارحة . ثمة أمور لا يمكن السكوت عنها أو تمرريها.. قبل أيام تابعنا في العديد من المواقع والمنتديات الالكترونية الحملة الظالمة والمتشنجة على الأستاذ عبدالله عمر باوزير، رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي بمحافظة حضرموت أحد الأصوات الشجاعة التي عرفناها وخبرناها بمجاهرتها بالرأي ومقارعتها للفساد والإفساد ومشاريع نشر الفوضى والتقزم ..ويوم الجمعة رشق مجموعة من الغوغائيين والبلاطجة منزلا الشيخ الفاضل ناظم باحبارة إمام جامع عمر بمدينة المكلا (أكبر مساجد حضرموت) والشاب الخلوق والشخصية الاجتماعية المعروفة عبدالله بن سعد، عاقل حارة حي الشهيد (خالد) عضو المجلس المحلي في مديرية مدينة المكلا بالحجارة في هجوم واعتداء سافر، غير مدركين لعواقب هذا الفعل المشين وما يسفر عنه من ترويع الآمنين الأطفال والنسوة واستباحة حرمة يعاقب على الشرع والقانون .. وأجد نفسي في هذا المقال أكرر ما قاله الصحافي القدير عبدالله الصعفاني في إحدى مقالاته الصحفية إن بعض التفاصيل والأمور " نحسبها صغيرة هي التي تقف خلف عناوين كبيرة.. والشيطان كما هو معروف هو فارس التفاصيل وهو مبرر بعض العناوين التي يتجاوز أصحابها ما هو معقول فيسيئون إلى كل شيء. إن كثيراً من الحرائق تبدأ بالسكوت عن مستصغرات الشرر.. " و "إن إخماد النيران الكبيرة يبدأ بقطع يد كل من يحمل علبة الكبريت ويجرب إشعالها في أماكن قابلة للاشتعال.." فهل نعي وندرك ما تذهب بنا إليه بعض العقول والمشاريع الضيقة؟. [email protected]