كنا قد استبشرنا خيراً بالتئام أطراف الحوار الوطني مطلع أو منتصف هذا الأسبوع , قبل أن يكون مصير مؤتمر الحوار التأجيل مجدداً..وكالعادة السبب هو عدم الوصول إلى موقف إيجابي من بعض الأطراف التي مازالت تضع بعض الاشتراطات التي تعد غير مقبولة بالنسبة لأطراف أخرى. لا أريد أن أحمّل أحداً المسئولية باعتبار أن لكل أحد مبررات وأسباب وطلبات ومناورات كما هي عادة اللعبة السياسية لكن مع ذلك فإن المبررات التي تستوجب دخول الجميع في حوار غير آجل هي أقوى من مبررات الهروب إلى الأمام والتسويف ووضع بعض العراقيل. عندما توحدنا تذكر البعض البيت الشهير للشاعر أبو تمام : إذا إحتربت يوماً فسالت دماؤها ... تذكرت القربى فسالت دموعها. فهل هناك أكثر من الاحتراب والاقتتال مبرراً لحدوث فجوة وشقاق , ومع ذلك تم تجاوز كل الخطوط الحمر التي وضعها أعداء اليمن لإبقائه مشطراً , وكانت الإرادة القوية هي أقوى من الجميع بغض النظر عما إذا كان للبعض حينها حسابات وتكتيكات معينة .. من أجل اليمن تلاشت كل الفروقات والاختلافات وذابت كل الإيديولوجيات المتناقضة , ما كان يعتقده البعض باستحالة الجمع بين ضفة يحكمها المؤمنون بمعتقدات ماركس ولينين , وضفة الحضور فيها لمن يعتبرون أنفسهم مجاهدين لن يعطوا الدنية لمن يرفع شعار«لا إله والحياة مادة.. والدين أفيون الشعوب» تماهى كل شيء تحت سقف الوحدة , كانت الإرادة السياسية أقوى وكانت رؤية الحكماء أعمق , ولو كنا تمترسنا عند نقطة إما نتحول إلى يساريين بالكامل أو يصبح اليمن دولة دينية بالكامل لما توحدنا , ولو تبعنا موقف من عارضوا الدستور وقاطعوا الاستفتاء لأن الدستور علماني لما كنا حققنا وحدة وتبعناها بإجراءات أعادت الأمور إلى نصابها وحققت متطلبات من كانوا يريدون كل شيء أو أن نكون لا شيء . القضايا التي تتعلق بالوطن ليست حكر أحد وحقيقة الحلول الناجعة لها ليست ملك أحد . الوطن للجميع والحقيقة تبقى نسبية وموزعة أرقامها عند الجميع , وعندما يلتقي الجميع على طاولة واحدة لابد أن ما لديهم سيتشكل منه كلمة واحدة ورؤية موحدة. والذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب سيظلون يدورون في حلقة مفرغة دون أن يضعوا أنفسهم ولا الوطن في الطريق الصحيح .. يتحدثون بإسهاب عن مشاكل الوطن وإخفاقات السلطة , يقدمون للمواطن في وسائلهم الإعلامية جرعات من الإحباط واليأس والقلق والضغط والحرب النفسية دون أن يجسدوا للشارع أنهم الأمل وبصيص الضوء وبارقة الأمل .. فيا أطراف المعارضة الرئيسية التي لم تحسم أمرها حتى الآن بشأن الحوار , أطلعونا على ما يدور بشفافية وصدق .. قولوا ما شئتم عن السلطة وعن الفساد وعن كل الاختلالات والاعوجاجات ومكامن القصور , لكن في نفس الوقت أشعرونا أننا إذا فقدنا الأمل في السلطة فلازال لدينا الأمل في المعارضة القوية والصادقة مثل كل بلاد الدنيا .. أدخلوا الحوار وبينوا للناس أن لا بيان ختامي معد سلفاً ولا نقاط تم وضعها سابقاً , وأن كل شيء سيتم بحثه فوق طاولة الحوار بشفافية كاملة , وإذا كان ما تريدونه هو لصالح الوطن فلن يجبركم أحد على التنازل عنه . الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات دخل مفاوضات كامب ديفيد الثانية تحت الرعاية الأمريكية وبإشراف الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون , لم يكن يتصلب ويرفض الحوار بحد ذاته لأنه كان يدرك أن الدخول في حوار هو دليل صحة وعافية للموقف الفلسطيني وليس دليل ضعف .. ثم على طاولة الحوار كان يستميت في الدفاع عن القضية ولم يتنازل عن الثوابت .. لم يخش الأمريكان ولا الإسرائيليين وإنما خشي شعبه وخشي لعنة التاريخ .. لم يرفض الحوار ولكنه في النهاية رفض القبول بنتائج لا تحقق مطالب شعبه . والكل على السواء أعداؤه وأصدقاؤه يذكرون بالخير مواقفه المشرفة. فهل من إعادة الحسابات بشكل صحيح وعميق؟!. [email protected]