الخبر الذي أثار في نفسي الحماسة الوطنية لكتابة هذه المقالة هو عودة ثلاثة من الصيادين السقطريين بالطائرة من بنغلادش إلى أرض الوطن الحبيب وللذين لم يعرفوا ما هو أصل الخبر وللذين لا يقرأون كل الأخبار المحلية وللذين لا تعجبهم أية أخبار سارة وللذين لم يعترفوا بإيجابيات الوطن والدولة عليهم أن يعوا أن الوطن أغلى شيء في الكون وستعرفه وتعترف به عندما تجبر على مغادرته أو عندما تفقد وطنك؛ فالوطن فعلاً داخل حدقات أعيننا. ثلاثة من الصيادين اليمنيين من أرخبيل سقطرى شاءت الأقدار والرياح أن يفقدوا طريقهم إلى سقطرى وأخذتهم الأمواج إلى أعماق المحيط الهندي، تارة إلى بحر عمان وتارة أخرى إلى القرب من السواحل الهندية، أمضوا أسابيع وليس أياماً يعتمدون على ماء المطر والسمك ليبقوا على قيد الحياة إلى أن شاءت الأقدار وابتسم لهم الحظ وأنقذتهم سفينة سورية كانت متجهة إلى الهند . كان الأمر أيسر لهم لو أنهم وصلوا إلى الهند فهناك سفارة تمثّل بلادنا من المؤكد ستسهل لهم الحصول على أوراق ثبوتية تساعدهم على العودة إلى ارض الوطن لكن شاءت الأقدار ووقف الحظ أمامهم لتحول السفينة السورية اتجاهها إلى بنغلادش حيث مصلحة مالك السفينة تقتضي ذلك. ثلاثة أسابيع وهم تائهون في البحر بين عمانوالهند ومثلها أسابيع أخرى أمضوها على متن السفينة السورية إلى أن وصلوا أخيراً إلى دولة بنغلادش، وحيث لا توجد لليمن سفارة أو ممثلية في بنغلاديش فكان من الطبيعي أن يواجه الصيادون مشاكل هناك لعدم وجود هويات شخصية لديهم وعدم وجود سفارة تصدر لهم ذلك . بقي الصيادون الثلاثة في أحد فنادق بنغلادش هذه المرة قرابة سبعين يوماً حيث لم يتمكنوا من الخروج لعدم وجود أية أوراق ثبوتية يملكونها، وفي الأخير بدأ الحظ يبتسم لهم عندما قاموا بإجراء اتصال هاتفي بذويهم في جزيرة سقطرى في الوقت الذي كان وزير المياه والبيئة المهندس عبد الرحمن الإرياني يزور الأرخبيل، ونظراً لما يتمتع به السيد الوزير من حسٍ وطني عال يشكر عليه فقد تواصل مشكوراً بنظيره البنغلاديشي كما يقول الخبر وتم موافاة الصيادين السقطريين اليمنيين بجوازات سفر وتذاكر للعودة إلى أحضان الوطن المفقود لديهم حينها . بالتأكيد هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام على الصيادين الثلاثة وذويهم وأهل منطقتهم والعارفين بحرقة البعد عن الوطن والمبعدين خارج الوطن وفاقديه، فلا يمكن أن تمر هذه القصة مرور الكرام عند ذوي النفوس المريضة هذا إن شفاها الله ولا يمكن أن تمر هذه الحادثة والقصة بأحداثها دون أن يعترف من خان وطنه أنه مهما بعد ومهما تقاذفته الظروف فلن يفيده سوى وطنه ويفترض أيضاً ألا تمر هذه القصة دون أن تثير فينا حب الوطن مدى الزمن . وفي الأخير ماذا سيقول من في نفسه مرض انفصالي أصابته عدوى عنصرية من قبل حثالات من البشر لها أهداف بعيدة وأخذ يكرر ما يرددونه دون أن يعلم مبتغاهم وأهدافهم، ماذا سيقول هؤلاء عن هذا التصرف الإنساني لوزير المياه والبيئة، وهو تصرف يحسب له ويحسب للدولة باعتباره ممثلاً لها، فالدولة فعلت ما لم نتوقع، فلم تتحجج بأية مبررات بل بذلت كل جهودها في سبيل إعادة اثنين من مواطنيها تقطعت بهم السبل خارج الوطن، فشكراً لكل وطني مخلص. لقد تصرف السيد الوزير بوطنية عالية جداً ولم يتصرف بشكل مناطقي أو لم يقل في نفسه أن هذه المهمة هي من مسؤوليات هذه الجهة أو تلك، فقد تصرف بحس وطني راقٍ ولم ينظر للصيادين على أنهم من هنا أو من هناك أو أنهم أبناء هذه القبيلة أو تلك بل هم أبناء للوطن مهما كان مستواهم الاجتماعي ومن أي منطقة كانوا. الوطن فعلاً بخير وفيه الكثير من الخير مادام يملك من مسئوليه الكثير ممن يحرص على المواطنين والوطن وسمعته مثل الوزير الإرياني وفقه الله . moc.liamtoh@baabbadf