الخنساء هي الشاعرة الأكثر تواتراً وشهرة في تاريخ الأدب العربي، ولكن الأهم من هذا وذاك أنها كرّست نصوصها الشعرية لترثي أخاها صخراً، وكأنها بهذا تشير إلى مدى انتماء المرأة لبيتها الصغير، وكيف أنها تتمتّع بذلك الوفر من الوجدان المتصل بالفرح والحزن معاً. تقرأ المرأة العالم من خلال ثقب إبرة المربع السحري لمكانها وزمانها، وتعتقد جازمة أن النجاح في هذا المربع بالذات هو ما يحقق رؤيتها وخيالها وسعادتها، ولهذا السبب تجيد المرأة محاصرة حصاراتها المعنوية والذوقية بقوة الانتماء، ولتكون شاهدة حال على الحال والمآل. تمتعت الخنساء كغيرها من بنات جنسها بهذه الخصال البعيدة عن الرجل بُعد الثرا عن الثريا، ولهذا تموضعت شعرياً في موضوع واحد ووحيد، وظلت ترثي أخاها صخراً. قالت الخنساء : يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمس وبهذا المعنى اختزلت الزمن في أخيها المقتول، واعتبرت الحد بين الشروق والغروب تعبيراً عن انتمائها لزمن الوجدان الحزين المتفاقم إلى ما لا نهاية، والشاهد أنها لم تكتف بذلك بل قالت ما هو أبلغ وأفدح .. تقول : ولولا كثرة الباكين حولي على قتلاهمُ لقتلت نفسي وكأنها بهذا القول لا تكتفي بأحزانها، بل ترى أن أحزان غيرها رافد آخر يكمل حالة انغماسها في رثاء أخيها صخراً، وللحديث صلة.