مائة ريال، هي حجم الزيادة التي طرأت على أسعار مادتي الديزل والبترول في إطار الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تسببت بإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة باقتصاديات دول العالم، ولا ضيم في أن تلجأ الحكومة إلى مثل هذه الإجراءات إذا ما كانت ستصب في معالجة ولو جزء بسيط من آثار الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية التي يعانيها السواد الأعظم من المواطنين؛ وهو ما نتطلع إليه. ولكن هذه الزيادة التي يمكن أن نصفها بالبسيطة أو المقبولة كانت لها انعكاسات سلبية على المواطنين؛ حيث استغلها التجار وجعلوا منها مبرراً لزيادة أسعار العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية بصورة مجحفة. ولا أعلم هنا ماذا ستمثل زيادة مائة ريال على أصحاب المصانع والشركات العملاقة ذات الإنتاجية العالية حتى يلجأ هؤلاء إلى رفع أسعار منتجاتهم بهذه الصورة التي تفوق أضعاف الزيادة السعرية على الديزل والبترول؟!. يحدث ذلك في وقت يغيب فيه دور الجهات الرقابية المتمثلة في وزارة الصناعة والتجارة ومكاتبها في المحافظات والمديريات والسلطات المحلية التي منحها نظام السلطة المحلية مهام الإشراف والرقابة والمتابعة، ليبقى المواطن ضحية يدفع ثمن جشع التجار ولامبالاة الجهات المعنية، وهو واقع مرير ينبغي العمل على تغييره ومعالجته من خلال إلزام التجار وأعني هنا أصحاب المصانع والشركات وتجار الجملة والتجزئة بعدم استحداث أية زيادة سعرية غير قانونية، واتخاذ الإجراءات الرسمية الرادعة في حقهم ليكونوا عبرة لمن تسوّل لهم أنفسهم التلاعب بأقوات المواطنين والثراء على حسابهم. وما أتمناه هو أن يستشعر هؤلاء التجار المسؤولية المنوطة بهم ويحكّموا ضمائرهم، فمن غير المنطقي أن يكون هؤلاء من العوامل التي تزيد الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد تدهوراً في الوقت الذي يحصل فيه هؤلاء على تسهيلات ومزايا حكومية، وأمام ذلك فإنهم مطالبون بكبح جماح أنفسهم المليئة بالجشع والطمع، والالتزام بالأسعار المحددة سلفاً من قبل الجهات المختصة في وزارة الصناعة والتجارة وفروعها في المحافظات والمديريات. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد استدعت مؤخراً المدير التنفيذي للشركة الوطنية للغاز؛ وذلك للاستيضاح حول الأسباب الكامنة وراء أزمة الغاز الخانقة التي لم يشهد لها اليمن مثيلاً، حيث أشار إلى أن عمليات التقطع لقاطرات نقل الغاز في مأرب هي السبب في هذه الأزمة نظراً للاعتماد الرئيسي على مصفاة مأرب في تزويد أكثر من 83% من محافظات الجمهورية بمادة الغاز؛ والنسبة الباقية يتم تغطيتها عبر مصفاة عدن. وأكد المدير التنفيذي للشركة أن أزمة الغاز ستنتهي في غضون يومين من تاريخ لقائه بهيئة مكافحة الفساد، مرت اليومان وها نحن اليوم قرابة الأسبوعين على وعده بحل الأزمة والقضاء عليها دون أن نلمس أي انفراج في ذلك، حيث لاتزال مادة الغاز هي الشغل الشاغل لغالبية الأسر، وتظل مهمة الحصول على اسطوانة غاز مهمة شاقة جداً من الصعب الحصول عليها بأي تسعيرة كانت، ولاتزال الطوابير الطويلة من المواطنين وصغار السن أمام محلات بيع الغاز شاهدة على أن أزمة الغاز لاتزال قائمة، وأن وعود شركة الغاز غير صادقة، وهو ما يعني أن الكرة اليوم في ملعب الإخوة في هيئة مكافحة الفساد المعنيين باتخاذ إجراءات فاعلة وملموسة، والتدخل المباشر للقضاء على هذه الأزمة بالتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة وخصوصاً أن فترة الأزمة قد طالت أكثر من اللازم وهو ما لم يعهده المواطن مع أزمة الغاز والتي كانت مقتصرة على شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، ولا يجوز تحت أي مبرر استمرار الأزمة في ظل توافر مخزون هائل من هذه المادة دفع بالحكومة إلى اتخاذ قرار اقتصادي بتصديرها إلى الخارج. الجفاف مشكلة خطيرة تعانيها بلادنا نتيجة الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، والكثير من محافظات الجمهورية بدأت تتضح فيها مخاطر هذه المشكلة على أرض الواقع ومنها أمانة العاصمة ومحافظة تعز؛ وهو ما دفع بالحكومة إلى اللجوء إلى خيار لم يكن في الحسبان وهو تحلية مياه البحر وهو خيار باهظ التكلفة. ولعل هذه المشكلة الخطيرة كانت كفيلة بتدشين حملة إعلامية توعوية واسعة في مختلف وسائل الإعلام للتحذير من مخاطر استنزاف المياه والعبث بها خصوصاً في المناطق التي لاتزال تمتلك نسبة لا بأس بها من المياه الجوفية؛ إلا أن الملاحظ أن مشكلة الجفاف وأزمة المياه غابت أو اختفت عن تناولات وتغطيات وسائل الإعلام في دلالة على أن هناك استهانة بخطورة هذه الأزمة. وهنا لابد من تفعيل الدور الإرشادي والتوعوي للجهات ذات العلاقة في وزارات المياه والبيئة والزراعة والري والإعلام والأوقاف والإرشاد، فالخطر قائم. وإذا ما استمرت عمليات الاستنزاف الجائر للمياه والعبث بها واستخدام الأساليب التقليدية في ري المحاصيل الزراعية وغيرها من الاستخدامات العبثية التي تزيد الأوضاع تفاقماً - ولا مجال للتهاون والسكوت - فسيقع الفأس في الرأس، فالماء عصب الحياة ولا يمكن لأحدنا أن يتخيل الحياة ويعيش دون ماء. ولتفادي الوقوع في كارثة الجفاف فإن الواجب علينا جميعاً الحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة، ونُحسن استغلالها في ظل ندرة الأمطار التي تمثل المصدر الوحيد لتغذية المياه الجوفية، ولتكن البداية من المنزل بالحث على ترشيد استخدامات المياه، والتزام أعلى درجات التقشف، مروراً بالمسجد وأصحاب المزارع، وغيرها من المواقع التي تستخدم المياه في عملها كمحلات "السرويس" ومحطات تعبئة المياه المعدنية، ومناشير الأحجار وغيرها. ولنتذكر جميعاً أن الماء نعمة إلهية يجب علينا الحفاظ عليها. [email protected]