من النصوص القانونية التي تحتاج إلى مراجعة حقيقية في قانون الجرائم والعقوبات المادة (232) المتصلة بالعقوبة المخففة على الزوج إذا قتل زوجته أو إحدى أصوله أو فروعه في حالة تلبسها بالزنا، فقد حدد نص القانون النافذ العقوبة؛ إما بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، وإما بالغرامة، وأيدت اللجنة الشرعية المكلفة بمشروع التعديلات هذه العقوبة، وأضافت اللجنة بعض التعديلات أهمها: أن تكون العقوبة الدية أو الإرش بدلاً عن القصاص. وبغض النظر عن استبدال بعض الكلمات في النص المعدل الذي أجرته اللجنة، أو اقترحه الدكتور مجلي في كتابه؛ إلا أن الملاحظ أن القانون برمّته يوحي بتمييز الرجل على المرأة في هذا الحكم، مع أن الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم قد جمع الزاني والزانية في عقوبة واحدة تطبق عليهما دون تمييز، لكن قانون الجرائم والعقوبات أعطى الرجل الحق في تطبيق العقوبة على المرأة، وحرم المرأة من هذا الحق حينما يخونها الرجل، ولم يتذكر المشرعون حالة المرأة في وضع مشابه، وما الذي تفعله المرأة إذا ضبطت زوجها أو أحد أصولها أو فروعها متلبساً بالزنا؟!. شيء جيد أن توضع قوانين لحفظ الحياة الزوجية والأسرية طاهرة ونقية، لكننا نتوخى أن تكون هذه القوانين شاملة لطرفي العلاقة الزوجية، ولأطراف العلاقة الأسرية ذكوراً وإناثاً، وألا يفترض المشرع أن الخطأ يحدث من طرف واحد فقط، ويبني نصوصه القانونية على هذا الافتراض؛ لأن الخيانة قد تكون من قبل الرجل، وقد تكون من قبل المرأة. وهنا نتساءل: هل يجوز أن تصدر قوانين خاصة بتقدير حالات الرجال دون النساء في مجتمع مسلم قائم على مراعاة حقوق الإنسان النفسية والجسدية والعقلية بوصفه إنساناً مسئولاً عن تصرفاته، أم أن المرأة اليمنية - من وجهة نظر المشرع - ليس لديها مشاعر ولا غيرة ولا حق في الدفاع عن شرفها وكرامتها حينما تضبط زوجها متلبساً بالزنا؟!!. لقد تنبه لهذا الموضوع الدكتور حسن مجلي في كتابه الذي أشرنا إليه، وناقش النصّين النافذ والمعدل، وقدم سبع ملاحظات لإجراء تعديلات قانونية ولغوية على النص، وينبغي قراءة هذه الملاحظات عند اعتماد أية تعديلات على القانون النافذ، لأن فيها من العمق ما يوحي بموضوعية معظمها إن لم نقل كلها. ويحسب للباحث نظرته الإنسانية للمرأة؛ إذ أنه اقترح إضافة مادة بعنوان: (قتل الزوجة زوجها) تتضمن نفس صيغة المادة (232) بمدلول المؤنث، حتى يتحقق العدل في الظروف الأحكام بين الرجل والمرأة في هذا النص القانوني. ولا شك أنه مقترح موضوعي وواقعي؛ لأن اقتصار المادة على تخفيف العقوبة على الزوج عند التعبير عن غضبه من الخيانة الزوجية بقتل الزوجة، وحرمان الزوجة من مثل هذا التخفيف يجعلنا نتساءل: ما مرجعية المشرع حينما صاغ هذه المادة صياغة خاصة بالزوج، ولماذا خصّ الرجل بها؛ هل لأن المشرّع استشعر حالة الزوج - عند وقوع الخيانة - ووضع نفسه مكانه فقدّر حالته النفسية وخفف العقوبة، أم أنه اعتراف ضمني أن القتل من الصفات الملازمة للرجولة في نظر المشرع دفاعاً عن الشرف، أم أن المشرع يؤمن بأن المرأة ليس لها علاقة بالشرف، وعليها أن تستسلم للإهانة وترضى بها وتبارك خيانة زوجها لأنه ليس من حقها أن تغضب كما يغضب الرجل، أم أن المشرّع نسي أصلاً أن المجتمع مكون من الرجل والمرأة، وأن الخطأ يكون منهما معاً، وأن القانون يجب أن يشملهما معاً في جميع الحالات؟!. من سيفكر بمشاعر المرأة ويقدر حالتها النفسية عند صياغة القوانين، وإلى متى سيظل الرجال - وحدهم - يصوغون جميع القوانين بعيداً عن النساء، أليس من حق المرأة أن تبدي رأيها في صياغة قانون يمس حياتها؟!. ثم من سيدرك أبعاد نص قانوني يعطي حق القتل للزوج ولا يعطيه للزوجة عندما يقع في أيدي أزواج من عديمي الضمائر راغبين في التخلص من زوجاتهم؟!. لقد حدث موقف أمامي حينما دار نقاش حول هذه المادة بين بعض الزملاء، ومنهم مؤلف الكتاب، فقال أحدهم على سبيل الدعابة: «هذا نص جيد يجب أن يذاكره بعمق كل من ينوي التخلص من زوجته» وقد تتحول هذه الدعابة إلى واقع في ظل عدم وجود نص مماثل يعطي المرأة نفس الحق، لأن في إعطاء المرأة نفس الحق رادع غير مباشر لمن تسوّل له نفسه أن يستخدم هذا النص بطريقة ملتوية. لا شك أن الواقع المعاش بتحدياته المختلفة يستدعي أن يعاد النظر في مثل هذه القوانين التمييزية في الأحكام، وإذا وجد المشرعون صعوبة في العدل، فينبغي على الأقل ألا تصاغ مثل تلك القوانين التمييزية؛ لأن السكوت عن موضوع ما أقل ضرراً من تثبيت حق لجنس وحرمان الجنس الآخر منه. ومع كل ما سبق فنحن لانزال نتوخى من اللجنة الشرعية والمتخصصين في القانون، وكل من له علاقة باعتماد القوانين أن يراعوا الله في أحكامهم، وأن يكونوا موازين العدل الرباني في هذه الأرض، ومن العدل أن ينظروا للمرأة بوصفها إنساناً له الحق في الحياة المضبوطة بأحكام الله المنزلة في كتابه الكريم مثلها مثل الرجل، حتى تكون قوانينهم وأحكامهم بعيدة عن النظرة الدونية، مستندة إلى مرجعية ثابتة ليس فيها خلاف. ما لم فستظل المرأة تعاني الظلم الذي يظهر جلياً في مثل هذه النصوص التمييزية، التي لا تستند إلا على الثقافة التقليدية التي تنزّه الرجل، وتعطيه حق الوصاية على المرأة في كل الأحوال.