لا يزال قانون الجرائم والعقوبات يعاني من العيوب والنواقص والثغرات، وبخاصة في النصوص المتعلقة بحقوق المرأة، سواءً أكانت جانياً أم مجنياً عليه، وقد لفت هذا القصور انتباه أحد المتخصصين وهو نجيب علي سيف الجميل الذي أجرى دراسة بعنوان ( المرأة والجريمة من منظور القانون الاجتماعي) أوصى من خلالها بأن يتضمن القانون باباً خاصاً بالأسرة، يحتوي على جميع الأفعال التي ترتكب في نطاق الأسرة، وخاصة ضد الزوجة أو البنت أو الأخت ، مثل الضرب المبرح، والسب، والإهانة، وحجز الحرية، والسرقة، والاستيلاء على أموالهن، ومهورهن، ونصيبهن من الموروث، وأيضاً تزويج أولياء الأمور لبناتهم دون بلوغهن السن القانوني أو دون رضاهن، إضافة إلى منعهن من الدراسة والعمل دون رضاهن، وعلى ما يبدو فقد عمدت اللجنة الشرعية الخاصة بمراجعة القانون إلى تنفيذ هذه التوصية باقتراح إضافة مادة بعد المادة(30) من القانون تحت عنوان: (إباحة الإيذاء الجسيم) بذريعة( تجاوز الحق في التأديب)، وتنص تلك المادة على «فرض عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو غرامة على كل من له الحق في التأديب وارتكب أحد الأفعال الآتية: الضرب الشديد المفضي إلى عاهة أو جراحات، أو التشويه، أو بتر أحد الأعضاء، أو الإحراق أو استخدام المواد المتلفة للبدن أو المؤثرة عليه، أو الحرمان من الطعام أو الشراب على نحو يضر بالصحة، أو الطرد للصغير من المنزل، ومن القراءة الأولى للمادة المضافة سيتضح مدى الفجوة الكبيرة بين العقوبة المقترحة وبين الجرائم المرتكبة ضد المرأة المنصوص عليها في المادة المضافة، كما سيلاحظ القارئ الكريم أن المادة المضافة انتقت بعض الجرائم التي وردت في التوصية، وأهملت بعضها الآخر مع أن هذه الجرائم صارت ظاهرة في مجتمعنا مثل: حجز الحرية، والسرقة، والاستيلاء على أموال النساء، ومهورهن، ونصيبهن من الموروث، وأيضاً تزويج أولياء الأمور لبناتهم دون بلوغهن السن القانوني أو دون رضاهن إضافة إلى منعهن من الدراسة والعمل دون رضاهن.. فلماذا أهملت هذه الجرائم؟! وما موقف اللجنة التي نتوخى أن تنير دروب القضاة، وترفع الظلم عن الجميع بفكر مستنير يحل مشكلات المجتمع ولا يضاعفها؟! لا شك أن اعتماد مثل تلك الإضافة سيكون دعوة صريحة لاستخدام الدين مبرراً للاعتداء على المرأة ؛ فبحق القوامة الذي لا يفهم معناها كثير من الأزواج ترتكب الجرائم ضد النساء، وهذا ما أثبتته نتائج الدراسة السابقة التي توصلت إلى أن أهم الأسباب التي تقف وراء جرائم العنف ضد النساء (قتل، وجرح، وضرب) ، وخاصة في المحيط الأسري ضد الزوجات والأخوات والبنات هي العادات والتقاليد (غسل الشرف) ، وعدم معرفة أحكام الشريعة الإسلامية والفهم الخاطئ لها من قبل الأزواج والآباء والإخوان، فماذا لو أسهم القانون في استمرار هذا العنف بتخفيف العقوبات على الجناة؟!! أليس في ذلك دعوة إلى مزيد من العنف ضد النساء؟! نتمنى ألا تظل المرأة اليمنية محشورة بين مطرقة القوامة التي يستغلها بعض الرجال الذين لا يملكون مواصفاتها، وبين سندان القانون الذي تم تفصيله لصالح الرجل في كثير من الأحوال.. وعلى الجهات المتحدثة باسم المرأة أن تطالب بأن تضاف مادة أخرى لوصف من له الحق في التأديب، وأن تطبق عليه عقوبة المعتدي الغريب إذا لم تنطبق عليه مواصفات القوامة الشرعية، وسنجد أن معظم الذكور الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم ضد النساء، لا يمتلكون حتى صفة من صفات القوامة، وعليه لا ينبغي أن يرحمهم القانون.. لقد شعر الباحث الدكتور حسن مجلي في دراسته التي تحت عنوان: ملاحظات على مشروع التعديلات التي تضمنها التقرير المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بمجلس النواب حول قانون الجرائم والعقوبات رقم(12) لسنة 1994م بخطورة الموضوع ، فرأى ضرورة عدم اعتماد المادة المضافة من قبل اللجنة الشرعية ؛ لأنها تعطي الحرية لاستخدام العنف من قبل كل من لهم الحق في التأديب، ومنهم المعلمون ، وهذا يتعارض مع أحكام الشريعة التي تشترط أن يكون الضرب غير مبرح، كما تتعارض مع المواد (24،25،26) من الدستور اليمني، التي تؤكد أن أساس المجتمع اليمني هو التضامن والعدل ، وأن الأسرة قوامها الدين والأخلاق الحميدة ،وعدم القسوة في تأديب الأولاد، كما أنها تتعارض مع المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الطفل والمرأة التي وقعت عليها اليمن والتزمت بها دستورياً. واعتراض الباحث منطقي، وإنساني ؛ وربما بناه على ملاحظته بأن حجم العقوبة لا يلائم الجرائم الواردة في الإضافة من الناحية الشرعية بالدرجة الأولى، وسنظل نشكره على ما قدمه من لفتات قانونية وإنسانية في دراسته، كما نتمنى –إذا أصر المشرعون على عدم الإنصات لرأي المرأة- أن يضع المشرع ابنته (حبيبة قلبه) أمام عينيه حينما يصوغ أي قانون، وأن يتذكر دائماً أن ظلم المرأة سوف يمسه هو في حبة قلبه- ولو بعد حين - حينما يجد يديه مكتوفتين قانوناً أمام المعتدي على ابنته لا قدر الله...