قررت أن أكون أكثر تفاؤلاً وأن أنظر إلى الأمور المحيطة بي ببساطة وألا أجعل معاناة مجتمعي تؤثر على هذا التفاؤل الذي سأحيط به نفسي وأغلف به نظراتي وتصوراتي وانطباعاتي، وبدأت يومي بالخروج للبحث عن سكن آخر بعد أن قرر المؤجر رفع الإيجار بسرعة البرق ولن يصيبني ذلك بالقهر فيجب أن أتفاءل هذا حقه وهذا قدري، مع العلم أنه من الموظفين ( الكبار ) الذي يملك بيتاً في أكثر من محافظة وأكثر من سيارة طبعاً، شيء جميل ولكن ما علينا ... ففي طريق عودتي تعثرت قدماي بأكياس القمامة والقوارير التي تعودنا أن تمتلئ بها شوارعنا وأزقتنا ، لا يهم فلن يضايقني ذلك فيجب أن أتمسك بتفاؤلي، ولأننا في موسم الأمطار فقد مرت بجواري سيارة حسبتها للوهلة الأولى صاروخاً لسرعتها فنثرت عليّ مياه الأمطار المتجمعة على الأرض لكن لا يجب أن اغضب أو أستاء فذلك سيؤثر على تفاؤلي، وبعد رحلة من البحث قررت العودة إلى المنزل فلا يزال لدي عمل أنجزه وفي طريق عودتي تعرضت لملاحقة ماراثونية من الكلاب الضالة المنتشرة في الطرقات والتي صار عددها يوازي تعدادنا السكاني، كما اصطدمت بمجموعة من الطلاب وهم يتعاركون وحين سألتهم عن سبب خروجهم سريعاً من المدرسة أجابوا أنهم يخرجون دائماً في هذا الوقت، طبعاً لم أناقش نفسي ولم أعترض وأنا في المنزل حيث مازالت الكهرباء مقطوعة (طافية ) ماذا أفعل؟ فأنا أريد غسل الملابس وكيّها ولا يزال لدي عمل أنجزه على جهاز الكمبيوتر، وفجأة تعود الكهرباء فأهرع إلى الغسالة وجهاز الكمبيوتر وما إن فتحتهما حتى انقطع التيار وما إن ابتعدت قليلاً عنهما حتى عاد التيار فعدت سريعاً إليهما لكن ما إن بدأت التشغيل حتى انقطع التيار ولا تظنوا أنني غضبت أو احترقت أعصابي غيظاً أو حتى تأثرت حفاظاً على تفاؤلي، بعد قليل استقرت حالة الكهرباء ففوجئنا بجهاز التلفاز قد تعطل ونلت نصيبي من تقريع زوجي واتهامي بالإهمال ... ولم أغضب فقد قررت أن أستمر متفائلة، أخذت الصحيفة لأقرأ الأخبار فهالني ما وجدته من اضطراب ومشكلات اجتماعية وأمنية وغيرها وحوادث وتردٍ شديد، فمقال هنا وآخر هناك ولكنني لم أتأثر بل شدتني تصريحات المسئولين التي تناسب حالتي من التفاؤل فهم حريصون على بثه في نفوسنا فكل شيء موجود والأمن مستتب ، لذا قررت أن استمع فقط للمسئولين وأن أقرأ لهم فقط ولكني لن أشاهدهم لكي لا تؤثر مشاهدتي لهم على تفاؤلي، فسوف أرتدي نظاراتي السوداء حتى لا أصادف ما يزعج تفاؤلي في المدرسة، لم يقلقني عدم اهتمام التلميذات بدروسهن أو يعكر مزاجي ما نلمسه من مفاضلة هنا وهناك على حسب الصداقة والمحسوبية، لم أتألم لغياب الاهتمام في الصحة والمدرسة، لم يؤثر فيّ استهتار بعض الزميلات بحصصهن وتغاضي الإدارة عنهن بحسب درجة صداقتهن ولم أعترض حين شكا ابني عن قسوة معلميه وأنواع وسائل الضرب المبتكرة.. فالتفاؤل مستمر. في نهاية الشهر لن أصاب بإحباط واكتئاب حين أكتشف أن راتبي وراتب زوجي لن يفي ولن يغطي ربع متطلبات حياتنا رغم أنني أسمع عن موظفي بلاد الله وما يتمتعون به من رواتب ومزايا لكني لن أتشاءم .. بعد سقوط الأمطار وجمال هوائه لن أتألم لأنني لا أستطيع الاستمتاع بطبيعة بلادي والتنقل هنا وهناك لعدم وجود مواصلات نمتلكها بل سأكون شاكرة وسعيدة جداً لأن هذا يحميني من التعرض للإصابة بالحوادث المرورية التي تحصد أكثر مما تحصده الحروب، وعندما أمرض لن أذهب إلى المستشفى لعدم ثقتي به وبأطبائه ولخوفي أن أنال حقنة خاطئة أو وصفة غير موفقة، لذا سأتحمل المرض وسأصبر عليه حتى يزول، فأنا لا أقهر وسوف يزداد تفاؤلي وتمتلئ نفسي بالسعادة، وفي نهاية اليوم كنت مرهقة جداً لأنني أفرطت من التفاؤل، فكونوا متفائلين لتتمكنوا من النوم بسلام .