ميرفت أحمد دموع الجدران بعد هذه التغريبة الإجبارية استطعنا العودة إلى مدينتنا . سنتان وقليلا من الشهور ذاب فيها القلب وجمد الدمع فيها على عيني . وقفت أتأمل المشهد وبكيت . لم أدر هل كان بكائي فرحا بالعودة أم حزنا على ركام البيوت والمباني ؟. لم أجد منزلا أو دكانا . كل ما بقي حطام ورفات . كان زوجي يقول لي : سنعود ولو إلى خيمة . وهذا ما حصل . عدنا مع العشرات ونصبنا الخيام . ورغم البرد كنا نشعر بدفء حقيقي لا يشعر به إلا من كان في بلده وبين أناس يعرفهم ويعرفونه . يفهمون تلميحاته وهمساته قبل كلماته . مرت أيام كثيرة إلى أن قررنا أن نعيد بناء منازلنا بأنفسنا. ثم بدأنا بجمع الحجارة والركام و حينها استطعت سحب ثوبٍ ممزق لطفلة صغيرة ووجد زوجي قطعا من القطن ملطخة بالدم اليابس وبضع زجاجات من الأدوية . كان هذا الحي نابضا بسكانه وأطفاله قبل أن تتحول مدارسه إلى معتقلات. وقبل أن ُيقتل بعض من أهله ويهرب الباقون . حملنا الحجارة إلى المعمل بعد أن استعنا بشاحنة أحد الجيران لتفتيتها واستخدامها من جديد . وبعد أسابيع قليلة استطعنا أن نبني بيوتاً تأوينا من البرد والحر . لم تكن كبيوتنا السابقة لكنها كانت جميلة ودافئة . وضعت رأسي على الوسادة في أول ليلة لي في بيتي الجديد . ظننت أنني سأنام بسرعة من التعب لكنني لم أستطع النوم . حجارة الجدران الجديدة كانت تتكلم وتتعارف فيما بينها بعد أن اختلطت حجارة البيت بحجارة المدارس والدكاكين والمشافي الميدانية . سمعت حجرا يبكي وهو يقول : لقد مات أصحابي هنا عندما دخلوا عليهم في منتصف الليل وقطعوا رؤوسهم . همس حجر آخروأظنه حجر المدرسة التي تحولت إلى معتقل : جميل أن أكون هنا وأرى أطفالا ينامون بهناء في أحضان أمهاتهم . فقد شهدت الكثير من أساليب التعذيب ,وكم تلطخت بالدم وأنا أراهم يموتون أمامي رويدا رويدا. قال حجر آخر : كان هنا طبيب يعالج المصابين . لكنهم أخذوه . قاطعه حجر المعتقل : نعم لقد رأيته . لقد قتلوه بتهمة علاج الجرحى . ثم سمعت صوت بكاء خفيف وامتلأت جدران منزلي بقطرات صغيرة . سألني زوجي : هل تمطر في الخارج ؟ ربما لم نحسن البناء جيدا . نظرت إليه وقلت له : لا يا عزيزي . إنها دموع الجدران. Hend Morshed تجتاح مساءاتي تختبىء ..! في ذيول حلمي مثل غيمات الشتاء تخطفها لحظات الغياب و يعيدها هطول الحنين أنصب الكمائن لعبورك أُرتشف عطر أنفاسك أتذوق خمر عينيك يغازل شوقك وحدتي تغدو كآبتي ألقاً و يمطرني وهم لقائك زخات من نشوة .