في البدء أقول: إن عنوان هذه المقالة مأخوذ من عنوان كتاب أصدره الكاتب العربي محمد منير أدبي بطبعته الأولى في دمشق عام 1991م ولهذا وجب التنويه..ثم أنبّه إلى أن هذه المقالة إعادة للبيان في قضيتها كما حددها العنوان وموضوعة للجدل بالتي هي أحسن من البينة والحجة البالغة بالدليل والبرهان، ولا بأس أن تكون موجهة في الأصل لأصحاب الرأي القائل بقتل المرتد، ورداً على بعض مقالاتهم المنشورة في الكتب والمطبوعات الأخرى. إن أول ما يؤخذ على القائلين بقتل المرتد، هو تعمدهم إغفال النظر إلى هذا الرأي في بينات الهدى والفرقان بآي الذكر الحكيم، وإسناد الأدلة على صواب رأيهم إلى المرويات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الصحاح والسنن دون التوقف عند التناقض الصريح بين آيات القرآن الكريم وتلك المرويات. تتناول آيات القرآن مسألة الردة والمرتد بإحكام وتفصيل مبين يحدد حالاتها والموقف منها والجزاء الإلهي لمقترفي إثمها أفراداً وجماعات، بحيث يتبين لمتدبري تلك الآيات أن الأقوم من هدي القرآن، لا يقر محاسبة الناس على مشيئتهم، ولا يعطي لرسله ناهيك عن غيرهم حق محاسبة عباد الله أو معاقبتهم على اختيار العقيدة التي يؤمنون بها ويدينون بها في حياتهم. وأول ما نذكره هنا هو بيان الجزاء الذي نزل به حكم الله وبلغه الصادق الأمين للناس جميعاً من وقت التنزيل إلى يوم الدين، دعونا نتدبر ذلك في هذه الآيات: {كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم، إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون، إن الذين ماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم ومالهم من ناصرين” سورة آل عمران ،الآيات 8792 هنالك مجموعة أحكام بينتها هذه الآيات، سنذكر بعضها بإيجاز: 1 تبين الآيات أن الله لا يهدي الظالمين ومنهم الذين كفروا بعد إيمانهم وهم المرتدون الذين شهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات. 2 تبين الآيات جزاء هؤلاء باللفظ والمعنى فأولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وهم مخلدون فيها لا يخفف عنهم عذابها ولا ينظرون. 3 تبين الآيات الحالة المستثناة من هذا الجزاء وهم الذين تابوا من بعد ردتهم وأصلحوا، فالله غفور رحيم. 4 ثم تبين الآيات حالة أخرى تخص الذين ازدادوا كفراً بعد ردتهم، وهؤلاء لايقبل الله توبتهم وهم الضالون. 5 كذلك تبين الآيات حالة من ماتوا على كفرهم بعد إيمان بأنه لا يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو كان بمقدوره الافتداء به من عذاب الله الأليم ومثل هؤلاء لا ناصر لهم من الله. وفي هذه الآيات براهين قاطعة في دلالتها على حرية هؤلاء في الاختيار بين الكفر بعد الإيمان، وبين التوبة بعد ذلك أو الازدياد من الكفر والموت عليه، ولا يوجد فيها ما يشير ولو بشبهة وظن إلى دور لفرد أو جماعة في استتابة من كفروا بعد إيمانهم أو في مجازاتهم بغير ما بينته الآيات المذكورة. هذا هو حكم الله المنزل على رسوله بلسان عربي مبين ولقد بلّغه الرسول عن ربه للناس بلاغاً تاماً وكاملاً، بحيث لا يمكن قبول غيره في نقل أو عقل، لأنه لا يكون للرسول أن يبدل أحكام الله المنزلة عليه بالوحي من تلقاء نفسه، فهو يتبع الوحي ويخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم تدبر معي هذا في قول الحق سبحانه:{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا أئت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} يونس الآية 15. إذاً من بدل الآيات البينات التي بلغها الأمين عن ربه؟ ومن بدل حكم الله بجزاء المرتدين الذين كفروا بعد إيمانهم من اللعنة إلا القتل؟ لا ندري ، فآيات القرآن تتواتر كلها على نفي أي عقاب دنيوي لمن بدل دينه وكفر بعد إيمان.. تدبر معي هذه الآيات -1 يقول الحق سبحانه{ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا يهديهم سبيلاً} النساء الآية 138 فتدبر هذه الحالة للذين آمنوا ثم كفروا أولاً ثم آمنوا ثم كفروا ثانياً ثم ازدادوا كفراً لتعلم يقيناً أن الذين ازدادوا كفراً قد عاشوا بعد ردتهم مرتين حياة لم تجد من يأخذها منهم بزعمه قتل المرتد. 2 ويقول سبحانه {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم و أملى لهم} محمد الآية 26 3 ويقول سبحانه: { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} النحل الآية 106فكيف ينشرح بالكفر صدر من يقتل في ثلاثة أيام؟ إن المرتد عليه غضب الله وله عذاب عظيم وقد استثنت الآية من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولم تذكر حالة من أكره على الإيمان بعد ردته هروباً من القتل واختياراً للحياة بالعودة عن كفره، لأن حكم الله هو:«لاإكراه في الدين». 4 ويقول سبحانه:{وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} آل عمران الآية 73. وتذكر كتب التفسير وأسباب النزول قصة هذه الآية فليعد إليها من يريد، وسنوجز تلخيصها بالقول: إن طائفة من أهل الكتاب فكروا بخطة ليجعلوا المؤمنين برسالة خاتم النبيين يرتدون عن دينهم فقرروا أن يعلنوا إسلامهم ظاهراً وأول النهار، ثم يرجعون عن ذلك آخر النهار بزعمهم أنهم لم يجدوا في رسالة محمد ما بشرت به كتبهم عنه وذلك حتى يرتد المسلمون عن إيمانهم بالقرآن، ولأن اليهود أحرص الناس على حياة كما بيّن القرآن، فإنهم ما كانوا سيقدمون على هذه المؤامرة لو كان جزاء المرتد القتل. وإجمالاً هذه هي بينات الهدى والفرقان في آيات الحق المنزل بحكم الله بلسان عربي مبين، فهل يجوز لذي عقل أو قلب سليم أن يضرب بحكم الله عرض الحائط ،متبعاً ما كتبته أيدي الناس وقالوا هو من عند الله وقول رسوله؟نتساءل فقط ونحن نعلم أن شرع الله والحق الذي للناس من ربهم بين مبين { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} لأن الإسلام يقيم في الأرض حكم الله بنفي الاكراه في الدين ، أما الطاغوت فله أن يُكره الناس بالباطل ،لهذا قد تبين الرشد من الغي ، ليكون قتل المرتد جريمة حرمها الإسلام. للحديث صلة