مناطق البناء الجديد في صنعاء بحاجة ماسة إلى هيبوداموس جديد، يشعر بها وبروحها وبإنسانية ساكنيها!... وهيبوداموس Hippodamos القديم هو مهندس إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان اهتمامه منصباً في تخطيط المدن وشوارعها، وهو أول من أنشأ النظام الشبكي في الشوارع ولذلك طور المستوطنات في مدينة أثينا "عاصمة اليونان حاليا" خاصة مستوطنة "رودس" المشهورة بتخطيطها الشبكي. وما فعله أيضا هيبوداموس كمخطط مدن هو تخطيطه لهضبة "الأكروبولس" التاريخية التي حوت أوابد تاريخية ما زالت بعض أطلالها شاهدة على عظمتها حتى الآن، لدورها التاريخي في القرن الخامس الميلادي عام إنشائها وما تفعله الآن كمعلم سياحي أصبح جزءاً من اقتصاد اليونان. والأكروبولس Acropolis هو مصطلح إغريقي مؤلف من كلمتين Acros ومعناها مرتفع من الأرض و Polis وتعني مدينة أو دويلة مدينة، تضم منشآت حكومية، معابد، خزانة للدولة، ومنازل لكبار رجال الدولة وموظفيها. وما يهمنا في هذا هو أنه ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد وهناك تفكير في المدينة وتخطيط واهتمام لمكوناتها الحضرية، ومنشآتها المختلفة، حكومية، سكنية، خدمية...الخ. فأين نحن من ذلك ونحن في الألفية الثالثة؟ وبالذات أين نحن من ذلك في مدينة صنعاء العاصمة التاريخية والسياسية لليمن السعيد. أين نحن من تلك الإنسانية التي نفتقدها في تخطيطها العمراني الذي لا نعرف أين يسير؟ ووفق ماذا؟ وهل هناك دراسات في هذا الجانب أم لا؟ دراسات في علم المباني وارتفاعاتها ومواد بنائها وتكوين نسيجها الحضري والمعماري. ما نراه الآن هو شوارع تشق ومناطق جديدة تنشأ بين ليلة وضحاها! مناطق تفتقد للخدمات التحتية من مجاري ومياه وكهرباء وتلفون، كما تفتقد للخدمات الإنسانية من أسواق ومدارس ومواصلات! تفتقد لقانون حضري ينظم عملية البناء ويكون له رؤية علمية واجتماعية في تشكيل نسيج المدينة الحضري والملتحم بتاريخ المدينة وعراقتها في هذا الجانب. وإذا كان لصنعاء الحديثة التي يضمها خط الدائري الأول مبررات غياب مثل هذه القوانين بحكم نشأتها العشوائية وارتباط ذلك بالمراحل التاريخية والسياسية التي مرت بها المدينة إذن لا عذر للجهات المعنية من إصدار هذه القوانين في المناطق الجديدة لصنعاء والتي تنشأ في الوقت الحالي، ومن كل الجهات المحيطة بصنعاء. ولنأخذ عل سبيل المثال المنطقة التي تنشأ حالياً أعلى خط الخمسين فيما يسمى بقاع ثعيل، فليس هناك احترام لمادة البناء التي تبنى بها المنازل، ولا قانون للارتفاعات المسموح بها وعدم تجاوزها... في حين أن المنطقة جبلية وإمكانية تشكيلها وجعلها اكروبوليس صنعاء ممكن بقليل من التنظيم والقوانين، وانحداراتها هي الجمال الذي يجب أن نحافظ عليه ونجعل نسيجها البنائي جزءا منه وتأكيدا على وجوده وجماله. ويكفي إلقاء نظرة على المنطقة الآن لنشعر بحجم الكارثة القادمة إذا لم يتم ضبط عملية البناء وشكل المباني وموادها في المنطقة. هل تعي الجهات المسئولة المختلفة في أمانة العاصمة ووزارة الأشغال والتخطيط الحضري، وأراضي وعقارات الدولة، بأن المدينة ليست قطع أراض توزع أو تباع، وليست شوارع تشق وتسفلت، وليست مباني ترتفع بغرض الإيواء، دون رؤية حضرية وحضارية للمناطق الجديدة التي تنشأ حول صنعاء. ناهيك عن جدواها في الوقت الحالي وصنعاء تعاني من جفاف في المياه وخطر أكيد من انعدامها في السنوات القادمة وهذه قضية أخرى!!! ترى أين هو هيبوداموس الذي سينقذ مدينة صنعاء من تشوهات تصيبها في صميمها الحضري، وتجعل منها قبحاً محيطاً بنا من كل الجهات!... أين هيبوداموس صنعاء الذي سيقتنع بأن عملية الإيواء التي تحدث هي لكل مخلوقات الله عدا الإنسان الذي يحتاج إلى سكن وسكينة ينعم بها، وجمال يحيط به. ورحم الله هيبوداموس الإغريقي وليكافئنا المولى بهيبوداموس يمني!!!