تنعقد القمة العربية في دورتها العادية يوم غد السبت في مدينة سرت الليبية في ظروف استثنائية «ومتى عقدت قمة في ظروف طبيعية ؟؟» خصوصاً مايتعلق بالقضية المركزية للعرب (القضية الفلسطينية) .. لا أحد يراهن عليها لتحقيق نتائج أفضل من سابقاتها والبعض يخشى أن تكون هذه القمة أكثر فشلاً بسبب الفتور في العلاقات بين بعض الدول العربية. خلال 55 عاماً من عمر الجامعة العربية مر النظام العربي بمراحل انتصار ومراحل انكسار طغى الانكسار بمرارته على الانتصار ولم يستغل العرب مراحل الانتصار في إعادة ترتيب البيت العربي وإعادة هيكلة الجامعة العربية بما يحقق للعرب أمانيهم وطموحاتهم في إعادة تحقيق الوحدة العربية. النظام العربي يواجه اليوم أخطر التحديات الداخلية في ظل تحديات خارجية مزمنة، فالاضطرابات الحاصلة في بعض الدول العربية تتزايد يوماً بعد آخر والمشاكل بين الدول العربية ما أن تختفي حتى تعود للظهور من جديد لأنها تبقى معلقة دون إيجاد حلول جذرية لها والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول العربية وزيادة مساحة الفقر والبطالة وتخلف العرب في إنتاج واستخدام المعرفة والتكنولوجيا كلها تؤكد حتمية إعادة قراءة الواقع العربي ومستقبله. انشغل النظام العربي بالجانب السياسي وانعكست الخلافات السياسية بين الدول العربية على التعاون الاقتصادي بل أنها انعكست سلبياً على القضية الفلسطينية التي أصبحت مجالاً للمزايدة لتحقيق انتصارات إعلامية أو سياسية لطرف عربي على آخر. الجامعة العربية تأسست في 1945م كأول منظمة إقليمية على مستوى العالم وعلى الرغم مما حاول البعض الترويج له بأنها جاءت استجابة لاملاءات غربية فإن إنشاءها في تلك الظروف يحسب للمؤسسين كما أن ميثاق الجامعة العربية الأساسي تمت صياغته حسب آراء العديد من الخبراء ,لذلك لايمكن أن نعيد أسباب الفشل العربي إلى الميثاق بل العكس من ذلك إذا صدقت النوايا لكان في الميثاق الحالي خيراً كثيراً والمقولة الدستورية (التطبيق أهم من النص والقاضي أهم من القانون) تشير بجلاء إلى أن غياب التطبيق هو السبب الرئيسي لما نعانيه. العام الماضي مثلت قمة الكويت الاقتصادية بداية العمل الجاد والخطوة الأولى في اتجاه العمل العربي المشترك المعزز للتكامل العربي في المجال الاقتصادي إلا أن ترجمة مقررات وقرارات القمة الاقتصادية إلى واقع عملي تعثر بسبب تأثير الجانب السياسي على تلك القرارات وهو مايزيد من حالة الإحباط لدى الاقتصاديين العرب والشارع العربي عموماً من تحقيق تقدم في هذا الاتجاه خلال السنوات القادمة. على الرغم من حجم التباينات العرقية واللغوية التي تجمع دول الاتحاد الأوروبي وحتى دول الاتحاد الإفريقي إلا أنها لاتعاني مما يعاني منه النظام العربي بل أنها حققت نجاحات كبيرة على المستوى الاقتصادي وصولاً إلى العملة الأوروبية الموحدة وزيادة حجم المصالح الاقتصادية المتبادلة بين مكونات الاتحاد وتلمس المواطن الأوروبي لتحقق هذه المصالح وانعكاسها على حياتهم المعيشية وتنقل المواطنين بسهولة بين هذه الدول. إن مجمل التحديات والمخاطر التي تواجه النظام العربي تضعه أمام مفترق طرق والقرارات والمواقف التي ستتخذ خلال هذه القمة أو القمم القادمة ستصنع تأثيراً على المدى الطويل على النظام العربي وربما ذوبانه في نطاق آخر يفقده هويته القومية العروبية وتؤسس لنظام آخر بديل يستوعب المخططات الغربية في المنطقة وليس أمام العرب إلا المدخل الاقتصادي وصولاً إلى الوحدة السياسية.